مقالات

الخطاب الأمريكي الجديد بين القلق من خديعة مصرية والتسريب للوسطاء وتهديد إيران وبدء ممرات التهجير

✍️ يوحنا عزمي 

– في ٢٢ مارس ٢٠٢٥ – الماضي- كتبت مقالًا تحليليًا رصدت فيه بعد عدة ساعات من إذاعة الحوار الشهير لمبعوث الرئيس الأمريكي ويتكوف ، أن هذا الحوار كان تغيرًا جذريًا للخطاب السياسي الأمريكي ، ووضعت عنوانه “تحذير أمريكي وإنذار إستراتيجي.

– حيث رأيت الحوار إنذارًا كاشفًا لوجه أمريكي قادم جديد ، أكثر تبجحًا مع مصر والشرق الأوسط ، وأن رسالته تحذيرية خبيثة ، تكشف عن “غُصة أمريكية كبيرة” تجاه مصر وموقفها والرئيس السيسي ، وأنه ليس حوارًا عشوائيًا ؛ بل عمق أمريكي جديد تجاه مصر من أجل إسرائيل.

– أما ما يلزمنا من تحليل الحوار ، فقد كان تلويحًا بالمهددات الداخلية المصرية ، وتخويفًا من وقوع انهيار في مصر وخروج نظام السيسي من الحكم ، وغيرها من لغة خطاب جديدة ، لا تستخدمها دولة تقدم الشراكة الاستراتيجية كحل عاجل أو محل ثقة لعلاج أزمة.

– وحين ندرك سوابق آلية استخدام أمريكا الحالية “إعلامها ومسئوليها”، في صناعة تخبطات وتوازنات دولية ، وأن ترامب كان واحدًا من نجاحات مسيرته الشخصية الكبرى هو “استخدامه الجيد للإعلام العكسي”، خلاف ما يتم الترويج له ، سنرى الهدف.

– أما قراءة الواقع فتشي بأن الإتجاه الأمريكي ، كان ، وازداد شحنًا وضغطًا عسكريًا أمريكيًا لدعم إسرائيل في حربها تحت ذريعة ضرب إيران ومنشآتها النووية ، الذي إن حدث لن يأتي عاجلًا أبدًا.

– وأن هذا “الاستعداد العسكري الأمريكي” من عرض البحر إلى البر يبدو كاستعداد لمؤازرة إسرائيل حال تصاعد الموقف المصري ضدها ، أكثر منه تهديدًا لإيران.

– وذلك بعد القلق من تحركات الجيش المصري في سيناء وصراخ إسرائيل اليومي عبر خطابها السياسي الإعلامي بتفكيك البنية التحتية للجيش المصري.

– ثمّ يأتي تاليًا من هذا الاستعداد العسكري ؛ تحقيق الرغبة الأمريكية في “منع الضغط الحوثي” على إسرائيل ، وإغلاق هذه الجبهة الضعيفة عليها ، عبر إلهاء ممول الحوثيين الأكبر “إيران” في الاستعداد لتحضيرات عسكرية داخلية ، وإدراكهم خطورة هذا الدعم الإيراني للحوثي ، على إستقرار نظام إيران نفسه .

– فالإدارة الأمريكية للرئيس ترامب التي صنعت بجرأة “أضخم تحول اقتصادي” في تاريخ أمريكا العقود الأخيرة ، وتخوض حربًا اقتصادية هائلة ، في محاولة “لإطالة عمر الزعامة الأمريكية على العالم”، استخدمت كل أدواتها في ذات التوقيت لتحقيق المصلحة الإسرائيلية عاجلاً.

وقد كان في مقدمة هذه الأدوات السياسة ، والتواصل السياسي مثل ما حدث بمكالمة الرئيس الأمريكي “ترامب” للرئيس “عبد الفتاح السيسي” والتي احتوت خطابًا شديد الخبث أيضا أدركته مصر جيدًا ، وقد فهمه المتخصصون من التوصيفات التي نشرها ترامب نفسه للمكالمة ، واصفًا الحديث بأنه شمل الإطمئنان على الإستعداد العسكري.

كما تستخدم الإدارة الأمريكية كل وسائلها من “الإعلام والخطاب والاتصال السياسي ، والتسريبات أيضا حاليًا “، للضغط على جميع الأطراف المفاوضة والوسيطة والمعنية ، للخضوع السريع للرغبة الأمريكية الإسرائيلية في إخلاء منطقة غزة كاملة من الفلسطينيين مثل تسريب ما أسموه فضيحة “قطر – جيت”، أو تسريبات أخرى سابقة عن كواليس الموقف العربي ، مع استخدام أذرعها إقليميًا في تشويه الدور المصري نفسه.

حيث تحاول الإدارة الأمريكية التدخل بالتأثير على المصالح المصرية مع الأطراف الدولية ، بجانب استمرار عروضها الاقتصادية المُغرية كي تقبل مصر مخطط التهجير ، وتسكين جزء من الفلسطينيين في سيناء ، مع محاولات صناعة بروباجندا مثل محاولة الترويج أن الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي الكلي المقدمة من الإتحاد الأوروبي لمصر بقيمة 4 مليارات يورو ، هي بداية لدعم تنفيذ التهجير لسيناء ، وليست علاقة مصرية أوروبية مرتبطة بملفات أخرى.

– هذا كلّه يأتي خاصة بعد التصعيد الإسرائيلي الحالي بعد مسح رفح ، والاتجاه لتشكيل ممرات التهجير داخل غزة ، وخطورة التداخل الإسرائيلي على “محور موراج”، مع محاولة تشكيل واقع جديد ، قابل للتنفيذ على الدولة المصرية ، بدعوى أن سيادة مصر لن تمس ، إذا استجابت للتهجير الجزئي ، وتصوير تهجير الفلسطينين كمصلحة تكفل استقرار الإقليم ، وإنقاذ مصر اقتصاديًا عكس ما تراه مصر .

– وعلى هذا ، فأنه مهما كانت الاتفاقات أو الترتيبات ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تأمن الموقف المصري أبدًا ، وتتوقع دائمًا خديعة مصرية ، لصالح الأمن القومي المصري ، وتراقب ، وتُصنف التصرفات المصرية بأنّها تحجيم لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى أي مكان حيث ترى هدف مصر طويل الأمد ، الذي تفاوض وتماطل من أجله ، هو الحفاظ على القضية الفلسطينية بالكامل ، وأن الإدارة المصرية سبق لها خداع نظام “جو بايدن” استخباراتيا كما ترى أن مصر لديها تخوفات من الحرج الشعبي للنظام السياسي حال قبول التهجير.

– ومن الجانب الأخر فإن إدارة ترامب لا تثق في الجنوح الإسرائيلي وتعتبر نتنياهو رجلًا قد يؤذي نفسه والأخرين ، وترغب في ضمان انتهاء معركته الأخيرة ، دون إيقاع إسرائيل في أزمة تتسبب في سحقها.

خاصة بعد فتح جبهة كاملة في الأراضي السورية ، في ظل صراع سوري داخلي ، قد يفسد اتفاقات أمريكا مع أحمد الشرع لأسباب خارج إرادته. 

مع التلويح الأمريكي “بالملف الإيراني”، والضربة العسكرية الأمريكية المُعلقة على شرط ، لتبدو وكأنّها “عصا وجزرة” في آن واحد.

– وعليه ؛ فإن “الخطاب الأمريكي الجديد” بالفعل ، هو نذير الشؤم على الإقليم ، ويبدو كإشارة الإنطلاق ، لبداية “صعود إسرائيلي” غير مسبوق في قصتها التاريخية القصيرة، سواء استطاعت تحقيق أهدافها المعلنة، أو كانت الأهداف الحقيقية شيئًا آخر ستظهره الأيام.

– وهذا يعود بنا للتأكيد أن “الدعم الكامل للموقف المصري”، والاستعداد السياسي ، والاقتصادي ، المماثل للاستعداد العسكري المصري ، والخطاب الإعلامي المتسق مع هذه الحالة ، هو الملاذ الآمن لنا في ظل ما يحدث حول مصر ، التي تم تطويقها إقليميًا بترقب عسكري عدائي ، وخراب وطني مؤسسي في دول حدودها ومخاطر اقتصادية وأمنية ، من كل الإتجاهات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!