✍️ يوحنا عزمي
في دهاليز السياسة الدولية ، حين تجلس طهران وواشنطن على طاولة التفاوض ، لا يكون الحاضرون اثنين فقط. هناك ثالث ثقيل الظل ، يجلس في الظل لكنه يحرك الأضواء : موسكو.
روسيا لا تكتفي بدور المتفرج في هذا المسرح الجيوسياسي ، بل تمسك بالخيوط خلف الستار ، تارة تدفع بها نحو التوتر ، وتارة توهم الجميع بالرغبة في التهدئة. والسؤال الآن : هل تسعى موسكو فعلاً إلى تسهيل التفاهم أم إلى تعقيده ؟
هل هي وسيط أم مشعل حرائق؟
أولاً : البعد العسكري – تحالف فوق فوهة بركان
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا ، تعزز التعاون العسكري بين موسكو وطهران بشكل غير مسبوق. إيران زودت روسيا بطائرات مسيرة واكتسبت في المقابل تقنيات متقدمة في الدفاع الجوي والطائرات الحربية. هذا التحالف العسكري الجديد يُثير قلق واشنطن ، التي ترى أن أي تخفيف للعقوبات على طهران قد يترجم إلى دعم عسكري مباشر لروسيا في حربها.
موسكو بدورها تدرك أن استمرار التوتر بين طهران وواشنطن يمنحها نفوذًا في ميزان القوى. فكل تهديد إيراني في الخليج يرفع أسعار النفط، وكل تصعيد في العراق أو سوريا يُربك حسابات الناتو .. وهذا يصب في صالح الكرملين الذي يسعى لتشتيت تركيز الغرب.
ثانياً : البعد الاقتصادي – الاقتصاد السياسي للسلاح والطاقة
الاقتصاد هنا ليس فقط أرقامًا في بورصة طهران أو أسعار نفط.
إنه اقتصاد سياسي ، مبني على صفقات سلاح ، وشبكات تهريب وتحالفات قائمة على المصالح. روسيا ، الخاضعة بدورها لعقوبات غربية ، وجدت في إيران شريكًا استراتيجياً لتبادل البضائع والالتفاف على العقوبات. خط التجارة “الشمالي – الجنوبي” من روسيا إلى الخليج عبر إيران بات شريان حياة لموسكو.
أي تقارب بين طهران وواشنطن يهدد هذا التبادل. تخفيف العقوبات يعني عودة إيران إلى السوق العالمية ، وعودة واشنطن إلى التحكم بشروط اللعبة. وهذا ما لا تريده روسيا.
الأخطر من ذلك : روسيا تستفيد من عزلة إيران في سوق الطاقة. كلما تأخرت عودة النفط الإيراني إلى السوق، كلما بقيت يد موسكو قوية على صنبور الطاقة الأوروبي.
المفاوضات النووية ليست بالنسبة لها مجرد ملف سياسي ، بل ورقة ضغط في معركة النفط والغاز.
هل نحن أمام مرحلة جديدة من المفاوضات تُدار من موسكو لا من فيينا ؟ أم أن الانفجار القادم سيُثبت أن روسيا لا تريد حلولاً بل توازن رعب دائم يخدم أجندتها في أوكرانيا وسوريا والطاقة؟
سواء تقاربت واشنطن وطهران أو تعادتا من جديد ، يبقى الثابت أن موسكو لا تغيب عن الطاولة .. حتى وإن لم تُدع إليها.