ابداعات

دوامة المعيار

بقلم : ندى يحيى 

 

من بين كل تلك الصراعات التي تكمن في كل جانب يحيط بنا، كان هناك صراع واحد هو الأكثر عنفًا وتخبطًا، يشبه تمامًا تلك الدوامات التي تبتلع كل ما يحيط بها.

فيا تُرى، إلى أي دوامة من المعايير ننتمي؟

 

سؤالٌ إجابته دائمًا ستثير فينا التخبط، وكأننا نسير طوال الوقت على أسس هشة، ومعايير قابلة للتشقق والانحناء والاختلال بين الحين والآخر.

 

وبين ليلة وضحاها، قد تجد نفسك هنا تحديدًا، سجينًا لنفسك بنفسك.

 

فبينما كنت أبحث دائمًا عن معيارٍ للحب، وللعطاء، وللطمأنينة، والوفاء، وحتى معيارٍ نحكم به على مدى بشاعة شيء ما أو استحقاقه لمشاعرنا السلبية، لم أجد.

 

شعرت حينها بالضياع، في كل مرة كانت مشاعري تخبرني بأن هناك أمرًا ما يستحق الحزن أو الخجل أو الشك أحيانًا، ولكن مسماه كان مجهولًا.

 

لكلٍ منا نظرته الخاصة للأمور، مما جعل الأمر أكثر تعقيدًا.

فما تراه أنت نهاية للعالم، قد يراه غيرك مجرد تفاهات لا تستحق كل هذا الاستياء، ولا مكان لك لتشكو منها مهما كانت مؤلمة بالنسبة لك.

 

هذه الفجوة المعقدة التي تكمن داخل معايير الحكم على الأشياء أصبحت تبعثر معتقداتنا تجاه كل شيء.

كانت، وما زالت، السبب الأول في كل تلك الصراعات والاضطرابات التي أصبحت تكمن بداخلنا.

 

تؤذينا أحكامنا على أنفسنا، وجلْدُ ذواتنا على أشياء كان من المفترض أن تكون هوامش.

ولكن فقدان المعيار الأساسي لتصنيف ما نستحق عقاب أنفسنا عليه وما لا نستحق، جعلنا طوال الوقت نحاسب أنفسنا على الصغائر قبل الكبائر.

 

ونسينا أننا لسنا معصومين من الأخطاء، وأننا لم نخلق للكمال والمثالية.

 

ولكن، إلى متى سنبقى هنا، في منتصف الطرق، تائهين بين كل تلك الأشياء التي أصبحت مجهولة الهوية؟

فأين الأساس؟ وأين المرجعية؟

 

أيُعقل أن يسكن التردد والقلق والخوف أنفسنا طوال الوقت؟

الكثير من الأسئلة قد تبعثر كل ما كنت تؤمن به.

 

لتجد نفسك عالقًا هنا تمامًا، في المنتصف اللعين، تحارب ذاتك بذاتك، وتستمر في إلقاء اللوم عليها في كل ليلة تخلد فيها إلى النوم.

 

وكأن حتى معيار النوم ومفهومه الأساسي قد تبدل؛ فبدلًا من أن تصبح تلك ساعة الراحة بعد شقاء اليوم، أصبحت هي ساعة حسابك لنفسك ولومها على كل شيء.

 

لتدور كل يوم في نفس تلك الدوامة التي يبدو أننا سنكمل ما تبقى من أعمارنا فيها، دون معيارٍ واحد مطمئن بعد كل تلك الفوضى في داخلنا.

 

ورغم كل ذلك، ورغم كل تلك الفوضى، ما زلت أؤمن أن القلوب لا تكذب، حتى وإن عجزت عن معرفة مسمى ما تشعر به.

 

فإن شعرت بأن أمرًا ما قد أثار فوضى قلبك، فربما سيكون عليك أن ترخي يدك قليلًا هنا، وأن تتراجع خطوة للوراء، وتراقب ما سيحدث.

 

ربما يكون المفر الوحيد من كل تلك الفوضى هو أن نضع مسافات آمنة بيننا وبين الأشياء التي تثير فينا الريبة.

 

ربما حينها ستكون الخسائر أقل، ولكن لا تطمح في أن تكون معدومة؛ فيكفي أن ينجو كلٌ منا من هذه الفوضى بنصف روحه حيّة.

 

فقوانين الحياة تحتم علينا دومًا خسارة شيء ما، وإلا ظننا أننا نعيش في الجنة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!