✍️ يوحنا عزمي
في ظل الدم النازف من خاصرة فلسطين، والركام الذي يُغطي وجه غزة، تُعقد قمة عربية جديدة في بغداد، وسط تساؤلات مشروعة : هل ستكون قمة بيانات مكرورة، أم لحظة صدق تاريخية يعاد فيها تعريف معنى “السلام” في الشرق الأوسط؟
ربما يكون البيان الأمثل الذي يُنتظر من قادة ورؤساء الدول العربية، هو إعلان واضح لا لبس فيه : نحن كعرب لا نرفض مبدأ السلام مع إسرائيل، لكننا نرفض أن يكون هذا السلام مع حكومة إرهابية عنصرية متطرفة، حكومة لطّخت يديها بدماء الأبرياء، وارتكبت من الجرائم ما يفقدها الأهلية الأخلاقية والقانونية لعقد سلام عادل ودائم.
حكومة نتنياهو، التي تقود واحدة من أكثر مراحل التطرف والتوحش في تاريخ الدولة العبرية، لا تمثل شريكاً للسلام، بل تمثل استمرارية للاحتلال والعدوان والفصل العنصري. كيف يمكن للعرب أن يصافحوا اليد التي قصفت الأطفال، وجوعت المدنيين، وهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها؟
إن الاعتراف الواقعي لا يكمن في إغماض العين عن الحقيقة ، بل في انتظار لحظة تتبدل فيها الوجوه والسياسات، وتأتي إلى الحكم في إسرائيل حكومة مدنية عاقلة، تؤمن بالسلام لا كصفقة، بل كحق متبادل، وترى في الفلسطينيين شركاء في الأرض والتاريخ، لا مجرد عائق جغرافي يجب إزالته. حينها فقط، يمكن للسلام أن يفرض نفسه على الجميع ، وتدخل المنطقة عصر ما بعد الصراع.
أما “السلام الإبراهيمي” الذي يروّج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلا يعدو كونه محاولة لتجميل وجه التطبيع تحت لافتة دينية – اقتصادية براقة، تخفي وراءها صفقة إذعان مذلة. فهذا السلام المزعوم مرفوض شعبياً ورسمياً، ما دامت الحكومة الإسرائيلية الحالية تحكم بقبضة حديدية، وتواصل جرائمها ضد الإنسانية دون مساءلة.
هذه الحكومة لا تبني سلاماً، بل مستوطنات. لا تفتح المعابر، بل تُحكم الحصار. لا تُداوي جراح غزة، بل تغرس السكين أعمق في الجسد الفلسطيني المنهك.
المنطقة بحاجة إلى سلام، نعم. لكن لا إلى سلام الاستسلام. بل إلى سلام العدل، القائم على الاعتراف المتبادل، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني.
على قمة بغداد أن تكون صريحة. أن تتوقف عن إعادة تدوير عبارات فقدت معناها، وأن تقول لشعوبها الحقيقة كما هي، بلا تجميل ولا تبرير.
فالشارع العربي لم يعد يثق في البيانات الفضفاضة، ولم يعد يملك ترف الصبر على انتصارات لفظية لا تحمي طفلاً ولا توقف غارة. المطلوب اليوم ليس قراراً للتاريخ، بل موقف ينقذ الحاضر ويُعيد الاعتبار للمستقبل.