المهنّد إسلام
لم تكن السيارة مجرد قطعة خردة تئنُّ تحت وطأة الزمن كما يقول البعض!
كما قال أخي، وقالت أمي،
سيارةُ والدي كانت أكثر من مجرد سيارة،
فقد خاض بها سباقات، ومعارك شبابية، ورهانات كسبية،
كانت جزءًا من صوته حين يضحك،
ومن ظله حين يغضب،
ومن روحه التي رحلت دون أن تودّع.
ظهر أبي الشابُ من خلفي،
بينما أعيد ترميم خردته،
نظرَ إليّ نظرة فخر،
تلكَ النظرة التي لم أحظى بها من قبل،
لم يتكلم..
لكن عينيه العسليتين همستا إلي،
” أكملي…
أنتِ وحدكِ من فهم،
أن ما تركتُه وراءي لم يكن صدأً…
بل وعدًا بالعودة.”
كم كاذبة هي خيالاتي،
وكم ساذجةٌ هي في كذبها…
تمنحني لحظاتٍ مسروقة من المستحيل،
وتعيده لي كما أحببته، لا كما تركنا.
كلما لمستُ المفك،
شعرت أنني ألمس يده التي لم تودّعني،
وكلما سمعت صوت المحرك،
توهّمتُ أنه يناديني من بعيد…
من مكانٍ لا أعرفه، ولا يعرفني.
الناس يقولون: “لقد رحل، انسي.”
لكنني لا أريد أن أنساه.
أريده أن يعود،
أن يدخل الورشة ذات مساء،
ويضحك ضحكته القديمة،
ويقول لي: “أحسنتِ! … كنت أعلم أنك ستفعلينها.”
أعلم أن ذلك لن يحدث.
لكن السيارة تعود للحياة…
وأعودُ أنا معها.
ربما لا يعود أبي،
لكنني سأعيد له صوته…
في صوت هذه الآلة،
وسأترك الباب مواربًا…
لعلّ الحنينَ فيه… أقوى من الهرب.
وعندما أنتهي،
سأذهبُ للبحث عنه..
أو أسير على نهجه،
وأعيد ترميم اسمه،
وأخوض سباقات مثله.