✍️ زينب عبد الحفيظ
نُسيد الدنيا بالوهم، نظن أننا نقبض على أنفسنا بإحكام، ونسير الأيام كيفما يروق لنا، وإن الذي لم يَرُق لهوانا نوقِفُه، ونكشِم على أنيابنا، ونظن أنفسنا كالنمور تسير قطيعًا من المواشي، بغلظة.
بل وإن جاعت بطوننا، نستبيح لغرائزنا نهشَ ما تطاله أيدينا.
نعتقد أنّ بإمكاننا ترويع القدر، وإرغامه على سلك طُرقٍ نستحسنها.
تُهدر الطاقة، وتُحرَق الدماء في محاولاتٍ عاقرة لزحزحة الحياة إلى مهد طُرقٍ نطمح بها، وهيّأتها عقولٌ لم يشتدّ ساعدها بعد.
يَجرفنا سيلُ الأيام قسرًا إلى سُبُلٍ مختلفة، مُرغمين، رغم إتلاف الأعصاب، وامتقاع الوجوه، وتصلّب عضلات الأجساد.
رغم امتلاءِ العروق بالدماء الحامية، لم تتدنَّ آفاقُ كِبرِنا، ولم يتهاون الوقت معنا، فضرب بسيفه أعناق الغرور.
كفرائسَ، يقتاتنا الفجعُ بنهم، فغدونا نتآكل بصمتٍ مبهم.
هل وراء سكوتنا عواصفُ مدمّرة، أم أنه صمتٌ مطبَق بالصبر؟
أم أن الغِلّ يجري بنا؟ وما وراء الصمت نفوسٌ اشتدّ ظلامها؟
تنفرط أمانيني تباعًا، كطوقٍ اشتدّ عنوةً، ففزع صاحبُه، وببديهيةٍ وضع يده على قلبه، يحاول هباءً التقاط حبّةٍ من حبّات أحلامه.
فرّطنا بالنظر نحو أشياءٍ ليست لنا، وزهدنا بما لدينا، وكرهنا واقعَنا، وطمحنا بحياةٍ تُشبه مواقع خيالية.
وتمطّينا خيول الاستنفار، وفررنا هاربين من أقدارنا، ولن تتوقّف أقدارُنا عن اللحاق بنا.
نفضنا عقولنا الصارخة بخوف، مشيرةً إلى السنوات الضائعة، وتجاهلنا وجيبَ قلوبٍ ممتلئة بالغُصَص المحزنة.
أفنتعارك مع الدنيا، أم نلعن واقعًا يحاول احتضاننا بحميمية، ونواصل دفع يديه، كحبيبين أحدهما يودّ تغيير الآخر، والآخر عنيد، يرى أن لا علّة به؟
ألا نَهمُد، وتتوقّف أرجلُنا عن الركض نحو الثراب؟
خلا وفاضنا من فعل أيّ شيء، ورغم نضوج عقولنا وتقدّم أعمارنا، إلا أنّ هناك طفلًا بداخلنا يحتجّ ويرفض انخفاض وطأة الرفض، وتقبّل الواقع.
كلٌّ منّا مُلزَم بالخنوع، بأعناقنا مهام، وبذيول ملابسنا متعلّقٌ غبارٌ ناتجٌ من أفعالنا.
لكن، عندما ندرك حقيقة فرار الأيام، يتبدد زيف الزهو، ونخضع لأقدارنا، ونُعلن الاستسلام.
لا مجالَ آخر للمعارك، فلا حيلةَ لدينا بقيت، ولا وقت.
على صفائحِ سنواتِنا تدبُّ عقاربُ وقتٍ يوشك على النفاد.
نتهيّبُ لأ هجومٍ مباغتٍ من قِبَل الموت، فلا أحد يعلم على أيّ هيئةٍ تُنتَزَع أرواحُنا، وفي أيّ أرضٍ تهمد أطرافُنا، بل ومن أيّ هواءٍ سيُستنشق آخرُ أنفاسنا.