مقالات

التحول الإستراتيجي للجيش المصري

✍️ يوحنا عزمي

في السنوات الأخيرة ، يجري في الجيش المصري تحول عميق يكاد لا يلتفت إليه كثيرون. البعض يظن أن التطوير اقتصر على شراء صفقات سلاح متطور أو إنشاء قواعد عسكرية حديثة أو حتى تعزيز التأمين على الحدود وسيناء في مواجهة التهديدات المتصاعدة.

لكن الحقيقة أبعد وأعمق : ما جرى لم يكن مجرد تحديث عتاد ، بل انقلاب شامل في العقيدة العسكرية ومنظومة الردع، إذ انتقل التفكير الاستراتيجي من الاكتفاء بـ “الدفاع الهجومي” إلى ما يمكن تسميته بـ “الهجوم الدفاعي”، أي منع الخطر عند منبعه قبل أن يقترب من الأرض المصرية.

البحرية : من مياه خضراء إلى زرقاء

قبل عام 2014، كانت البحرية المصرية أشبه بقوة دفاع ساحلي، مهمتها الأساسية حماية الشواطئ. لكن مع دخول حاملات المروحيات ، والفرقاطات المتقدمة ، والغواصات الحديثة ، وتزويدها بصواريخ قادرة على ضرب أهداف ساحلية من مسافات بعيدة ، تحولت البحرية إلى قوة “مياه زرقاء” بحق. اليوم ، تستطيع مصر تنفيذ عمليات إنزال بحري وبري خارج حدودها ، ما يعني أن أفق القوة البحرية اتسع ليغطي الإقليم وما بعده.

القوات الجوية : ذراع طويلة المدى

سابقًا، كانت طائرات مثل الـ F-16 تُستخدم بمدى محدود لحماية الأجواء. لكن دخول مقاتلات “رافال” و”ميج-29 إم 2″، المزودة بصواريخ بعيدة المدى مثل “سكالب شادو” و”الميتيور”، غير المعادلة كلياً. الآن تمتلك مصر قدرة جوية هجومية تمتد لآلاف الكيلومترات ، قادرة على توجيه ضربات دقيقة وعميقة دون الحاجة لمغادرة أجوائها.

العين التي لا تنام : الرادارات والأقمار

إنشاء محطات رادارية من طراز “ريزونانس” بمديات تتجاوز الألف كيلومتر أتاح تغطية جوية تمتد من تركيا حتى بلاد الشام. إلى جانب ذلك ، جاء إطلاق القمر الصناعي “طيبة 1” ليمنح مصر أداة متقدمة في الاستشعار والاتصالات العسكرية المشفرة ، وهو ما يعزز منظومة القيادة والسيطرة الحديثة.

قواعد على أطراف الخريطة

من قاعدة “برنيس” على البحر الأحمر، إلى “محمد نجيب” في الغرب ، إلى “3 يوليو” و”شرق بورسعيد”، أقام الجيش المصري شبكة قواعد متكاملة، مدعومة بشبكة طرق حديثة تضمن سرعة المناورة وتحريك القوات من عمق البلاد إلى أطرافها خلال ساعات.

القوات البرية والصواريخ

المدفعية بعيدة المدى مثل “كيه-9 ثاندر” والراجمة “رعد 200” أضافت قوة نارية قادرة على إغراق مساحات واسعة بالصواريخ. وإلى جانب ذلك ، فإن تطوير الصواريخ الباليستية في منطقة جبل حمزة يضع لبنة أساسية في منظومة الردع الاستراتيجي.

قدرات النقل والإنزال الجوي

لم يعد النقل الجوي مقتصرًا على الإنزال المظلي المحدود. اليوم، أسطول طائرات النقل “شينوك” و”C-130″ قادر على نقل كتائب مجهزة بالكامل بمعداتها الثقيلة إلى خارج الحدود ، ما يعني أن الجيش المصري أصبح يمتلك قدرة إسقاط سريع وفعال على مسارح عمليات بعيدة.

الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية

منظومات بعيدة المدى مثل الـ S-300 والـ HQ-9 عززت المظلة الدفاعية، بينما أتاحت أنظمة التشويش الإلكتروني مثل LDK-190 القدرة على تعطيل اتصالات العدو والتأثير على بنيته التكنولوجية في ساحة القتال.

سيناء : القلعة المتقدمة

في عمق سيناء، أنشئت مراكز قيادة ومنصات صواريخ وقواعد تحت الأرض ، ما يعني أن الاستعداد لا يقتصر على صد التهديد ، بل على استباقه قبل أن يقترب من الحدود.

خلاصة التحول

هذا كله لا يعني مجرد تحديث تسليح، بل ثورة في الفكر العسكري ذاته. الهجوم الدفاعي أصبح فلسفة الجيش : أن تُردع الخصم قبل أن يتجرأ ، أن تمنع الخطر قبل أن يولد، وأن تحسم المعركة في أرض العدو لا في أرضك.

إنها منظومة ردع هجومية دفاعية، تمنح مصر موقعاً جديدًا في معادلة الإقليم : قوة قادرة على حماية إرادتها السياسية بالسياسة حينًا، وبالسلاح حين تفرض الظروف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!