مقالات

لماذا أصبحت الحرب المصرية الإسرائيلية أقرب من أي وقت مضى؟

✍️ يوحنا عزمي

الحرب بين مصر وإسرائيل لم تعد مجرد إحتمال بعيد ، بل تحولت في عقول الكثيرين إلى مسألة وقت ، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أقدم عليها الاحتلال الإسرائيلي بضرب قطر ، وهو تطور غير مسبوق أعاد خلط أوراق المنطقة كلها وأطلق شرارة تساؤلات كبرى حول مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط.

ما فعلته إسرائيل لم يكن مجرد خطوة عسكرية عابرة ، بل كان تعبيراً عن سياسة توسعية متهورة لا ترى في الجغرافيا العربية سوى مسرح مفتوح للغطرسة والعدوان ، وهو ما يضع مصر مباشرة أمام استحقاقات تاريخية لا يمكن أن تتجاهلها.

فالقاهرة التي تحمل على عاتقها عبء التوازن الإقليمي وحماية أمنها القومي ، تجد نفسها الآن أمام تهديد غير مباشر لكنه بالغ الخطورة ، إذ أن ضرب قطر لم يكن سوى رسالة موجهة إلى كل العواصم العربية بأن إسرائيل لم تعد تخشى أي رد فعل ، وأنها تتعامل مع المنطقة وكأنها فراغ سياسي وأمني يمكن التحكم فيه وفق مزاجها.

مصر ، التي تدرك أكثر من غيرها أن الأمن القومي لا يتجزأ ، تعلم أن السماح لإسرائيل بفرض معادلة جديدة في الخليج يعني فتح الباب أمام مرحلة من الفوضى الإقليمية التي سرعان ما ستصل إلى حدودها. التاريخ والجغرافيا يثبتان أن أي عدوان على دولة عربية ، مهما كانت بعيدة ، ينعكس في النهاية على القاهرة.

فالحرب ليست فقط مواجهة عسكرية ، بل هي صراع على النفوذ والهيبة والسيادة. وإسرائيل تدرك أن كسر قطر اليوم قد يفتح شهية أطراف أخرى للانبطاح أو الصمت ، وهو ما يشكل بالنسبة لمصر خطراً وجودياً لا يقل عن تهديد حدودها الشرقية المباشر.

إضافة إلى ذلك ، فإن المزاج الشعبي العربي ، والمصري على وجه الخصوص ، لم يعد يحتمل مزيداً من الانكسارات.

مشاهد الإحتلال وهو يضرب دون رادع في قلب دولة عربية غنية وذات سيادة ، ستعيد تلقائياً إنتاج خطاب الغضب والرغبة في المواجهة. ومصر التي تعرف وزنها في معادلة القوة العربية لا تستطيع أن تتجاهل هذا الشعور ، لأن تجاهله سيعني خسارة رصيدها التاريخي كقائدة للأمة ودرعها الواقية.

من هنا يصبح الصدام مع إسرائيل ليس مجرد خيار استراتيجي مطروح على طاولة الدولة المصرية ، بل خياراً تفرضه اعتبارات الشارع ، وضغط الرأي العام، وتوازنات الإقليم الذي يتداعى أمام أعين الجميع.

الجيش المصري الذي ظل لعقود يحافظ على تماسكه ويطور قدراته بصمت ، لم يفعل ذلك عبثاً ولا لمجرد الترف العسكري. بل كان واضحاً منذ سنوات أن المؤسسة العسكرية المصرية تضع سيناريو الحرب مع إسرائيل ضمن حساباتها الدائمة ، مهما تعددت مسارات التهدئة أو محاولات السلام البارد.

وعندما تخرج إسرائيل عن قواعد اللعبة وتقرر استباحة دولة خليجية ، فهي في الحقيقة تختبر صبر القاهرة قبل أن تختبر أي طرف آخر. لذلك فإن كل المؤشرات تقول إن لحظة المواجهة ليست سوى مسألة وقت ، وأن التراكمات السياسية والعسكرية والإعلامية تقود في النهاية إلى انفجار لا يمكن تجنبه.

قد يحاول البعض الحديث عن الوساطات الدولية أو الضغوط الأمريكية لاحتواء الأزمة ، لكن التاريخ أثبت أن مصر لا تتحرك بقرار خارجي حين يتعلق الأمر بأمنها القومي.

وما يحدث الآن ليس مجرد أزمة عابرة بين إسرائيل وقطر ، بل هو تهديد مباشر للمنظومة العربية برمتها ، وهو ما يعيد للأذهان مقدمات حروب سابقة حين بالغت إسرائيل في استفزازها ، فانفجر البركان من حيث لم تتوقع. لهذا تبدو الحرب المقبلة أقرب إلى قدر تاريخي أكثر منها إلى خيار سياسي ، لأنها ببساطة نتيجة منطقية لمعادلة مختلة لم يعد إصلاحها ممكناً إلا عبر المواجهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!