مقالات

حين تشتعل الجبهة التركية : سيناريو العملية العسكرية الإسرائيلية القادمة

✍️ يوحنا عزمي

منذ اللحظة التي تجاوز فيها الاحتلال الإسرائيلي خطوط التوتر على حدود تركيا ، بدأ المشهد وكأنه شرارة أولى لحريق أكبر لم يكن في الحسبان. إسرائيل ، التي اعتادت أن تُمسك بزمام المبادرة وتلعب على خيوط التوازن في الشرق الأوسط ، باتت الآن أمام حسابات معقدة تتعلق بتركيا تحديدًا ، الدولة التي لم تعد مجرد لاعب إقليمي ، بل قوة صاعدة تحمل إرثا تاريخيا وأطماعاً جيوسياسية تجعل أي مواجهة معها محفوفة بالمخاطر.

ومع ذلك ، فإن العقل العسكري الإسرائيلي يقرأ الأمور دائما ببرود وحساب دقيق : اختبار القوة التركية على الحدود هو تمهيد ضروري لعملية أوسع قد تُبنى على ضربة استباقية محسوبة.

السيناريو الأقرب في ذهن صانع القرار الإسرائيلي يبدأ من تكثيف الهجمات الجوية. سلاح الجو الإسرائيلي، المعروف بتفوقه التقني وباعتماده على الطائرات الشبحية من طراز F-35، سيُكلف أولا بفتح المجال عبر قصف مواقع الرادارات التركية المتقدمة على الحدود ، بما يضمن شل قدرة أنقرة على إدارة المجال الجوي في الساعات الأولى.

وفي التوقيت ذاته ، ستنطلق وحدات الحرب الإلكترونية الإسرائيلية لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي التركية، خصوصًا بطاريات “إس-400” الروسية الصنع التي تملكها أنقرة، في محاولة لتقليص أثرها وتحويلها إلى مجرد قطعة حديدية لا قيمة لها وسط العاصفة.

لكن إسرائيل لا يمكنها أن تكتفي بالقصف الجوي فقط، فهي تدرك أن تركيا تملك جيشا كبيرا ومجهزاً ، وأن الضربة يجب أن تكون مركبة. لذلك، سيكون هناك تحرك متوازٍ على صعيد البحر. الأسطول الإسرائيلي ، خصوصًا الغواصات النووية القادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى من البحر المتوسط ، سيدخل في اللعبة عبر توجيه ضربات دقيقة على الموانئ التركية الاستراتيجية ، وربما محاولة شل خطوط الإمداد البحرية في بحر إيجه والبحر الأسود، لإرسال رسالة واضحة مفادها أن أنقرة لن تكون قادرة على حماية شواطئها.

على البر ، يبدو أن إسرائيل لن تغامر بتوغل بري مباشر في عمق الأراضي التركية ، فالمغامرة بهذا الشكل ستفتح عليها أبواب جحيم لا يمكن السيطرة عليه. ولكن الخيار الأكثر ترجيحاً هو استخدام قوات خاصة مدعومة بطائرات مروحية لشن عمليات خاطفة تستهدف مراكز القيادة والسيطرة على الحدود ، مع محاولات لاختراق شبكات الاتصالات العسكرية التركية وزرع الفوضى في منظومتها.

الهدف هنا ليس احتلال أراضٍ ، بل كسر شوكة الجيش التركي في مناطق محدودة وإظهار عجزه أمام الرأي العام المحلي والدولي.

المرحلة التالية ستكون إعلامية بامتياز ، فإسرائيل تدرك أن الحرب الحديثة لا تُحسم فقط في ميادين القتال ، بل أيضا في عقول الناس. ستبدأ ماكينة الدعاية الإسرائيلية في تصوير الضربات باعتبارها “ردا دفاعياً” على “تهديدات تركية”، وستُضخ الأكاذيب في وسائل الإعلام العالمية لتصوير تركيا على أنها الطرف المتهور الذي جلب النار إلى حدوده.

هذا البعد النفسي سيكون مكملًا للعملية العسكرية ، لأنه يضمن لإسرائيل مساحة مناورة أكبر أمام القوى الدولية الكبرى التي قد تتدخل للتهدئة.

مع ذلك ، فإن إسرائيل تعلم أن أي عملية ضد تركيا لن تكون مجرد نزهة عسكرية ، وأن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي. بل سيُعاد رسم المشهد الإقليمي بأسره ، وقد تتدخل أطراف أخرى ترى في إضعاف تركيا فرصة ذهبية ، أو بالعكس، ترى في ضربها خطرا على توازن المنطقة.

ومن هنا ، فإن السيناريو العسكري الإسرائيلي القادم ضد تركيا قد يشعل حربا إقليمية متعددة الأطراف، وربما يقلب الشرق الأوسط بأسره إلى ساحة صراع مفتوح.

هكذا تبدو ملامح المشهد القادم : عملية خاطفة تبدأ من السماء والبحر، مدعومة بضربات نفسية وإعلامية، هدفها إرباك تركيا وإجبارها على الانكفاء ، لكن عواقبها قد تكون أوسع بكثير من قدرة إسرائيل ذاتها على التحكم فيها. وفي لحظة واحدة قد يتحول الطموح الإسرائيلي إلى مغامرة مكلفة تفتح بوابة المجهول للجميع.

رد فعل الناتو في حال تعرض تركيا لعملية عسكرية إسرائيلية سيكون معقدا للغاية ومليئاً بالتناقضات ، لأن تركيا ليست مجرد عضو عادي في الحلف، بل قوة إقليمية تمتلك ثاني أكبر جيش في “الناتو” بعد الولايات المتحدة. ومع ذلك ، فإن العلاقة بين أنقرة وبقية الحلف ليست في أفضل حالاتها بسبب سياسات أردوغان المستقلة وتوتراته مع واشنطن وبروكسل.

من الناحية النظرية ، أي هجوم خارجي على تركيا يُفعل المادة الخامسة من ميثاق الناتو ، والتي تعتبر الهجوم على أي عضو هو هجوم على الجميع. لكن هنا تبدأ المعضلة :

إسرائيل ليست خصما تقليديا للحلف ، بل هي شريك إستراتيجي غير عضو، ولها علاقات عسكرية واستخباراتية قوية مع الولايات المتحدة ومع عدة دول أوروبية نافذة.

السيناريو الأقرب هو أن الناتو سيتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل ، وسيسعى إلى تهدئة الموقف بدلًا من التصعيد.

الولايات المتحدة قد تضغط على أنقرة للقبول بتسوية سياسية ، وتستخدم نفوذها داخل الحلف لمنع أي تحرك عسكري واسع باسم “المادة الخامسة”. بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا واليونان ربما تعلن تضامنا سياسيا وإرسال دعم رمزي لتركيا ، لكن من غير المرجح أن تُغامر قوات الناتو بالاشتباك مع الجيش الإسرائيلي الذي يحظى بحماية أمريكية شبه مطلقة.

بعبارة أخرى : لن يتخلى الناتو رسميا عن تركيا ، لكنه في الوقت نفسه لن يخوض حربا من أجلها ضد إسرائيل.

الرد قد يقتصر على بيانات إدانة ، جلسات عاجلة في مجلس الأمن ، وفرض ضغوط دبلوماسية على تل أبيب لوقف التصعيد. في الكواليس ، قد يُترك لتركيا أن تواجه الموقف وحدها مع تقديم دعم استخباراتي ولوجستي محدود فقط ، تجنبا لظهور انقسام علني داخل الحلف.

النتيجة : تركيا ستكتشف أن عضويتها في الناتو لا تمنحها ضمانة مطلقة إذا كان المعتدي إسرائيل ، لأن التوازنات السياسية داخل الحلف تجعل مصالح واشنطن وتل أبيب تتقدم على أي التزامات دفاعية نظرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!