مقالات

ناتو عربي بقيادة مصرية ونائب سعودي .. ملامح تشكيل القوة العربية المشتركة

✍️ يوحنا عزمي 

في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجه المنطقة ، تعود فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة إلى الواجهة من جديد ، باعتبارها أداة لحماية الأمن القومي العربي في مواجهة التهديدات المتزايدة من الإرهاب ، والتمدد الإقليمي لقوى خارجية ، والصراعات التي باتت تستنزف مقدرات الشعوب.

المشروع ، الذي طُرح أكثر من مرة داخل أروقة جامعة الدول العربية ، يبدو اليوم أكثر واقعية مع توافق سياسي أكبر ، ورغبة في بناء تحالف عسكري منظم على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

ووفق التصورات المطروحة ، ستتولى مصر قيادة القوة نظرًا لخبرتها العسكرية وثقلها الإقليمي ، بينما تُطرح السعودية كنائب للقائد العام ، بما يعكس شراكة استراتيجية بين أكبر قوتين عربيتين في المجالين السياسي والعسكري.

الفكرة تقوم على إنشاء قوة قوامها عشرات الآلاف من الجنود، مجهزين بأحدث المعدات ، مع قيادة مركزية وهيكل تنظيمي موحد، وتوزيع الأدوار بين الدول الأعضاء. وسيكون الهدف الأساسي هو التدخل السريع في بؤر التوتر ، وحماية الحدود ، والتصدي لأي تهديد يستهدف الأمن العربي المشترك.

المعضلة الكبرى تظل في آليات اتخاذ القرار ، وهل ستكون القرارات بالإجماع أم بالأغلبية ، وكذلك في التمويل وتقاسم الأعباء بين الدول المشاركة. لكن المؤشرات تدل على وجود توافق على أن تتحمل الدول الخليجية النسبة الأكبر من التمويل ، بينما تقدم الدول ذات الكثافة السكانية مثل مصر والسودان القوة البشرية الأساسية.

نجاح هذه القوة لن يقتصر على بعدها العسكري فحسب ، بل سيمثل رسالة ردع سياسي لأي قوة إقليمية أو دولية تفكر في استغلال حالة التشرذم العربي ، كما سيعيد للدول العربية جزءًا من استقلالية قرارها الأمني بعيدًا عن الارتهان الكامل للحماية الغربية.

ردود الفعل العربية المتوقعة

مصر : صاحبة القيادة المباشرة للمشروع ، ترى فيه فرصة لتأكيد دورها كحائط صد استراتيجي للأمن القومي العربي ، ولتثبيت موقعها كقائد عسكري للمنطقة.

السعودية : متحمسة وتضع ثقلها السياسي والمالي لإنجاح الفكرة، خصوصًا أن موقع نائب القائد يمنحها شراكة متوازنة مع مصر، ويعزز رؤيتها للأمن الإقليمي.

الإمارات : ستدعم المشروع ماليًا ولوجستياً ، نظرًا لنهجها التدخلي في ملفات المنطقة (اليمن ، ليبيا ، القرن الإفريقي)، ما يجعلها ترى في القوة غطاءً مشروعًا لتحركاتها.

الكويت : ستؤيد سياسيًا مع تحفظ على التدخل العسكري المباشر، بسبب نهجها الدبلوماسي ، لكنها ستسهم في التمويل والدعم السياسي.

قطر : موقفها معقد ؛ قد تشارك شكلياً لتجنب العزلة ، لكنها ستظل مترددة في ظل حساباتها الخاصة بعلاقاتها مع تركيا وإيران.

البحرين : ستدعم بالكامل وتلتزم بالمشاركة ، نظرًا لارتباطها الوثيق بالمنظومة الخليجية.

الأردن : سيرحب بقوة ، إذ يراه غطاءً إضافيًا يحمي حدوده من الإرهاب وامتدادات الأزمة السورية ، وسيشارك بقوات محدودة لكنه مدربة جيدًا.

العراق : سيكون موقفه مرتبكاً ، فمن جهة يحتاج لحماية عربية من تغلغل النفوذ الإيراني ، ومن جهة أخرى يخضع لاعتبارات داخلية وضغوط سياسية من حلفاء إيران.

سوريا : إذا شاركت ، فسيكون ذلك بعد ترتيبات سياسية كبيرة ، لأن وجودها ضمن القوة قد يثير انقساماً عربياً حول شرعية النظام السوري.

لبنان : الانقسام الداخلي سيجعل موقفه ضعيفاً ، مع احتمالية تأييد حكومي سياسي فقط دون مساهمة عسكرية واضحة.

فلسطين : سترحب سياسياً باعتبار أن أي قوة عربية قد تشكل دعمًا معنويًا لقضيتها ، لكن لن يكون لها دور عسكري مباشر.

اليمن : مشاركتها ستقتصر على الدعم السياسي في ظل الحرب الدائرة على أرضها ، وقد تشكل القوة عنصر ضغط لإنهاء الانقسام.

ليبيا : ستنقسم المواقف بين الحكومة في طرابلس والبرلمان في الشرق ، لكن غالبية الأطراف ستدعم على أمل أن تكون القوة عنصر استقرار.

المغرب : سيرحب مبدئياً ، خاصة أنه منخرط بالفعل في التحالفات العسكرية العربية.

الجزائر : ستتحفظ بسبب عقيدتها السياسية الرافضة للتدخل الخارجي ، لكنها قد تؤيد مبدئياً إذا ضُمنت سيادة الدول.

تونس : ستؤيد سياسياً دون مشاركة عسكرية ، بسبب وضعها الداخلي الهش.

موريتانيا : ستؤيد وتشارك رمزياً كجزء من التزاماتها تجاه المنظومة العربية.

السودان : سيلعب دورًا محوريًا كمصدر للقوات البشرية ، رغم ظروفه الداخلية ، نظرًا لحاجته لدعم عربي اقتصادي وسياسي.

جيبوتي والصومال وجزر القمر : ستؤيد المشروع وتشارك بحدود إمكانياتها ، معتبرة أنه يوفر لها حماية من تهديدات الإرهاب والقرصنة.

رد الفعل الدولي

الولايات المتحدة الأمريكية : ستعلن دعماً مبدئياً باعتبارها خطوة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتقليل العبء عن قواتها في الشرق الأوسط ، لكنها ستسعى لضمان التنسيق معها بشكل دائم.

إسرائيل : ستشعر بالقلق من فكرة توحد الجيوش العربية تحت قيادة مركزية ، حتى لو لم تُعلن ذلك صراحة. ستضغط عبر حلفائها لضمان أن القوة لا تتحول إلى تهديد استراتيجي لها.

إيران : ستكون الأكثر توتراً ، لأنها ترى في أي قوة عربية تهديدًا مباشرًا لنفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وستحرك حلفاءها لعرقلة المشروع.

تركيا : موقفها سيكون مزدوجاً ؛ ستخشى أن تُستخدم القوة ضد مصالحها في سوريا وليبيا ، لكنها ستعتبرها في الوقت ذاته خطوة تقلل من اعتماد العرب على الغرب.

روسيا : قد ترحب بالقوة طالما أنها لا تتقاطع مع نفوذها في سوريا وليبيا ، وقد تستغلها لإضعاف الدور الأمريكي.

الاتحاد الأوروبي : سيؤيد باعتبارها أداة للاستقرار والحد من تدفقات اللاجئين ، لكنه سيشدد على ضرورة عملها ضمن القانون الدولي.

الصين : ستتخذ موقفاً براغماتياً مرحباً ، لأنها ترى في استقرار المنطقة حماية لاستثماراتها ومصالحها في “الحزام والطريق”.

إعلان هذه القوة – إن تم – سيكون حدثاً فارقاً في التاريخ العربي المعاصر ، لأنه يعني انتقال العرب من موقع رد الفعل إلى الفعل. لكنه في الوقت نفسه مرهون بمدى جدية الدول في تجاوز خلافاتها، وتقديم المصلحة الجماعية على الحسابات الضيقة. وبين الترحيب والتحفظ .

يبقى السؤال مطروحاً : هل تكون القوة العربية المشتركة بداية “ناتو عربي” حقيقي ، أم مجرد حلم آخر يُضاف إلى قائمة الأحلام المؤجلة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!