مقالات

أقوى دليل على وجود حياة على المريخ .. وبداية صراع فضائي سيعيد تشكيل مستقبل البشرية

✍️ يوحنا عزمي

 
لأول مرة في التاريخ ، يقف البشر أمام اكتشاف قد يغير كل ما نعرفه عن الكون : علامات قوية تشير إلى وجود حياة قديمة على سطح المريخ.

العالم كله يعيش منذ ساعات على وقع هذا الخبر العلمي المدوي ، لكنه في الوقت نفسه أبعد ما يكون عن مجرد إنجاز علمي.

فالاكتشاف الذي تحقق على يد مركبة “بيرسيفيرانس” التابعة لوكالة ناسا لم يفتح باب الأسئلة حول الماضي السحيق للكوكب الأحمر فقط ، بل فجر أيضًا سياسيًا واقتصاديًا غير مسبوق ، سباقًا يضع الولايات المتحدة والصين وجهًا لوجه في صراع جديد على زعامة الفضاء ، صراع من شأنه أن يغيّر مصير البشرية لعقود وربما لقرون قادمة.


المركبة “بيرسيفيرانس”، التي هبطت على سطح المريخ عام 2021، واصلت مهامها في استكشاف تضاريس الكوكب وجمع عينات من تربته وصخوره.

لكن المفاجأة وقعت في صيف  2024، حين اكتشفت صخرة غريبة أُطلق عليها اسم “شياڤا فولز” في منطقة صخرية تُدعى “برايت أنجل”، كانت فيما مضى مجرى نهر مريخي قديم. الصخرة بدت للعلماء مختلفة تمامًا :

بقع ملونة أشبه بجلد الفهد ظهرت على سطحها ، ومع التحليل الكيميائي الأولي تبين أنها تحتوي على معادن نادرة مثل “الجريجيت” و”الفيفيانايت”، وهي معادن لا تتشكل عادةً إلا بجوار مواد عضوية أو بفضل نشاط ميكروبات دقيقة. هنا ارتجف العالم العلمي :

هل يمكن أن تكون هذه أول بصمة مؤكدة لحياة ميكروبية فضائية؟

الإشارات لم تتوقف عند هذا الحد. فداخل الصخرة ظهرت طبقات طينية تُعرف على الأرض بقدرتها الفائقة على حفظ بقايا الكائنات الحية الدقيقة.

والأدهى أن عمر الصخرة أصغر نسبيًا من الصخور المريخية التي تم تحليلها من قبل ، ما يعزز الاحتمال   بأن الحياة الميكروبية على الكوكب لم تكن مجرد ظاهرة قديمة جدًا ، بل ربما أقرب مما كنا نتصور.

لم تتأخر ناسا في وصف هذا الاكتشاف بأنه “أكبر وأقوى دليل في التاريخ على وجود حياة قديمة على المريخ”.

لكن المفارقة أن اليقين العلمي ما زال بعيدًا. فأدوات “بيرسيفيرانس” ليست كافية للحسم النهائي ، ولا بد من إعادة العينات إلى الأرض لتحليلها بأحدث التقنيات المعملية.

وهنا يظهر التحدي الأكبر : مشروع “إرجاع عينات المريخ”، الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار، مهدد بالإلغاء بعد أن أعلنت إدارة ترامب نيتها استبعاده من موازنة 2026، بحجة أنه عبء مالي ضخم وأن الأولوية ينبغي أن تكون للعودة بالبشر إلى القمر ثم إرسال بعثات مأهولة إلى المريخ.

هذا القرار يكشف بوضوح أن الولايات المتحدة لا تعيش أفضل أيامها في سباق الفضاء الجديد.

فبينما تتعثر واشنطن في مشاكل تقنية ومالية ، تتحرك الصين بخطوات ثابتة نحو هدفها : العودة إلى القمر قبل 2030 برواد فضاء صينيين ، وإنشاء قواعد دائمة هناك لاستغلال موارد مثل الهيليوم-3 وجليد الماء القمري. موارد نادرة ستفتح الباب أمام ثورة في الطاقة والصناعة والتكنولوجيا ، ومن يمتلكها سيحكم ليس فقط سطح القمر ، بل مستقبل الأرض نفسه.

السباق هذه المرة لا يشبه سباق “أبوللو” في القرن الماضي ، فهو ليس استعراض قوة عابرًا ، بل معركة وجودية على الموارد والسيادة ، على السيطرة على الفضاء كجبهة صراع جديدة.

وإذا ما نجحت الصين في أن تسبق أمريكا ، فلن يكون الأمر مجرد نصر علمي ، بل انقلاب في موازين القوى العالمية ، حيث ستفرض بكين نفسها كزعيمة لعصر فضائي جديد بينما تتراجع واشنطن عن موقعها التقليدي كقائدة للنظام الدولي.

وسط هذه التحولات ، يقف العالم العربي بعيدًا تمامًا ، يكتفي ببيانات شجب روتينية لا تسمن ولا تغني من  جوع ، بينما تتحول القوى الكبرى إلى صياغة المستقبل من جديد فوق القمر والمريخ.

ما يحدث اليوم ليس خيالًا علميًا ولا رفاهية علمية ، بل هو رسم ملامح الغد الذي سنعيشه جميعًا، شئنا أم أبينا. ومن لا يملك نصيباً في هذا السباق ، فلن يملك غدًا أي مكان على طاولة القوى العظمى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!