✍️ يوحنا عزمي
حين يتحول الجهل بالنصوص المقدسة إلى طعن في الوحي باسم “السياسة”
لم أكن أنوي التعليق ثانية على تصريحات الإعلامية هند الضاوي بشأن سفر إشعياء النبي. فهناك جهات دينية رسمية هي المعنية بالرد ..
لكن ما طُرح أخيراً تجاوز حدود الجدل الإعلامي ، ودخل منطقة الخطر الأحمر :
التشكيك في أحد أهم أسفار الكتاب المقدس دون سند علمي أو مرجع موثوق ، بل اعتماداً على صفحة ملحد مجهول على الإنترنت.
وهذا ليس مجرد سقطة .. بل ازدراء ديني صريح ومخالفة للقانون.
نختلف سياسياً مع إسرائيل ، ونعارض احتلالها واستيطانها وعدوانها .. لكن الخلاف السياسي لا يبرر أبداً العبث بالكتب السماوية أو الطعن في وحيها.
الإعلامية هند الضاوي قالت بثقة :
“سفر إشعياء اتكتب في القرن الـ15.”
وهذا ليس خطأ صغيراً ، بل كارثة معرفية تكشف غياباً كاملاً للتاريخ والدين والبحث العلمي.
فالطرح لا يستند إلى:
بحث مُحكم
مرجع أكاديمي
دراسة جامعية
وثيقة أثرية
أو حتى رأي باحث محترم واحد في العالم.
بل المفاجأة أن “المصدر” هو ملحد يُدعى bandoli، يصف الإيمان بالله بأنه “فكرة طفولية”، ويسخر من الإله بوصف “sky-goblin”، وينشر محتواه تحت عنوان : “critical information on religion”.
هل يُعقل أن يستند إعلامي في برنامج سياسي أمني إلى شخص يُهاجم الأديان علناً ؟
هل هكذا تُدار الملفات الدينية على الهواء؟
هذه ليست زلة … هذه فضيحة مهنية.
الحقيقة العلمية والتاريخية
اولاً : زمن كتابة السفر
سفر إشعياء كُتب في القرن الثامن قبل الميلاد ، تقريباً بين 740–700 ق.م. والمعلومة ليست اجتهاداً ، بل منصوص عليها في السفر نفسه :
النبي إشعياء عاصر ملوك يهوذا :
عُزيا – يوثام – آحاز – حزقيا (إشعياء 1:1).
وهؤلاء الملوك موثقون تاريخياً في نفس الحقبة.
إذن : القرن الثامن قبل الميلاد هو زمن الكتابة ، وليس القرن 15 بأي حال.
ثانياً : الدليل الأثري القاطع : مخطوطات البحر الميت
أقدم نسخة كاملة لسفر إشعياء اكتُشفت في قُمران بالبحر الميت ، وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد. وهي مطابقة بشكل مذهل للنص الحالي.
كيف يُعقل أن السفر كُتب في القرن 15 .. بينما لدينا مخطوطة كاملة قبل الميلاد بـ600 سنة؟
هذه وحدها تُسقط الادعاء من جذوره.
ثالثاً : نبوة كورش الفارسي
في سفر إشعياء (44–45) يُذكر الملك كورش بالاسم.
وكورش عاش في القرن السادس قبل الميلاد.
إذن : كيف يُكتب السفر في القرن 15 ق.م ويتنبأ بشخص سيولد بعد ذلك بتسعة قرون؟
أو في القرن 15 ميلادي بينما المخطوطات أقدم منه بـ1600 عام؟
المنطق نفسه يرفض الادعاء.
رابعاً : رأي الباحثين (حتى غير المسيحيين)
حتى المدارس النقدية ، التي تختلف لاهوتياً ،
لا يوجد فيها باحث واحد يقول إن سفر إشعياء كُتب في القرن 15.
هذا الطرح غير موجود في أي جامعة ، أو مركز بحثي أو دراسة نقدية محترمة.
إنه ببساطة :
تزييف للتاريخ .. لا أكثر.
لماذا يُقال هذا الكلام إذاً؟
الأسباب لا تخرج عن إحتمالين :
ـ جهل فاضح بالتاريخ الكتابي ، والركض خلف صفحات مجهولة على الإنترنت.
ـ محاولة تشكيك غير علمية في دقة النبوات .. خصوصاً ما يخص مجيء السيد المسيح كمخلص.
وفي الحالتين ، النتيجة واحدة :
تحويل الجهل إلى معلومة … ومنحها للناس باعتبارها “حقيقة”.
الخلط بين “تاريخ النسخة” و”تاريخ النص”
هند الضاوي خلطت بين : مخطوطة ظهرت في القرن 15،
وتأليف السفر نفسه.
الفرق بينهما مثل الفرق بين القول إن :
نسخة قرآن تعود للقرون الوسطى ، وبين الادعاء أن القرآن نفسه كُتب في القرون الوسطى.
هل يقبل أحد بهذا الخلط؟ .. قطعاً لا.
فلماذا يُقبل على سفر إشعياء؟
السقطة التي تستوجب اعتذاراً
ما حدث ليس رأياً إعلامياً .. بل إساءة دينية ، وتزييف للمعرفة ، وضرب لمصداقية المؤسسة الإعلامية.

وبرنامج ذو طابع أمني يجب أن يكون أكثر احترافاً ودقة من الإعتماد على صفحة ملحد مجهول.
ومع تكرار الأخطاء ـ ثاني سقطة خلال أسبوع واحد ـ لا مجال للصمت.
احترام الجمهور ، والالتزام بميثاق الشرف الإعلامي ، ليس ترفاً .. بل واجب.
لكن الحقيقة يجب أن تُقال :
ما حدث إهانة معرفية قبل أن يكون خطأ إعلامي.
وطعن في الوحي قبل أن يكون “تحليلاً سياسياً”.
والمسؤولية الأخلاقية والمهنية تفرض الاعتذار فوراً.




