ابداعات

لعنة الندبات

الشيماء أحمد عبد اللاه 

 

 

كان في حلقي غصةً طعمُها مرٌ لاذعٌ، لم أتوقع أنها تصل لذاك الحد بأن تصل لفؤادي فتترك ندبةً لم نسطتع زوالها.

 

 

العقاقيرُ أم الأعشابُ… إلخ كانت قادرة على إزالة ألم الغصة في أيام أو حتى شهور، على الأقل فهناك دواءٌ لها، أما عن إزالة ألم الندبة فلم أخفي عليك سرًا، أخبروني لا دواء لها، لم تفد عقاقيرٌ أو حتى عشبة.

 

بلهفة طفلٍ يسأل أمه عن لعبته ، تسألت ولِما لم تفد؟ أوليست دواء؟ وما هذه الندبة التي استحال الأطباء أن يجدوا لها علاجًا شافيًا.

 

 

بدمعةٍ عالقة في العين، يظهر فقط لمعتها، أُجيبك عن سؤالك لاحقًا، لم أستطع صبرًا الانتظار ككليم الله، فهذا الأمر أثار دهشتي.

 

 

باختصار الندبةُ قادرة على جعل قلبك يدق بسرعة من الحزن وليس الفرح، ليس لها شكلٌ محددٌ، تستطيع أن تقول بأنها بصمة سيئة، تركها شخص أو جماعة، قادرون فقط على جعلك تعاني كما عانى أيوب في مرضه.

 

 

الأمر الجيد أن أيوب ظل صابرًا محتسبًا، بينما نحن لم نستطع ترهقنا الندبات، تؤذينا، تؤول إلى هلاكنا، ليس ضعفٌ منا أن نصفها هكذا.

 

لكن قد يصاب المرء بالموت من أثرها، الموت مكتوبٌ وقدر من الله لا محاله، لكن وراء كل شيء سبب، قام الأطباء بفحص جثة شابٌ يبلغ من العمر عشرون عامًا فقط، يتسألون ما سبب الوفاة؟ 

 

 

الأمرُ غامضًا بعض الشيء، لا جروح، لا إصابات، لا أمراض، فيظهر من خلف الستار صديقٌ فيقول نحن السبب، لم نعلم أنها ستصل لموته.

 

ينظر الطبيب بتعجبٍ: عن ماذا تتحدث وتتمتم؟

 

 

أجاب الصديق: نحن من جعلناه يموت، فقط أخبرناه كم أنه قبيحُ المظهر، ضعيف البنيه، أسنانه كأسنان الماعز، اما عن ذراعه فهي ذراع هيكلٍ عظمي، أما عن أصابع يديه فطويلةٌ كطرزان في الغابة بشعةٌ مخيفة، كل هذا بقهقهاتٍ عالية، يُسمع صداها في المكان.

 

 

لم ينطق البتة، كل هذا سمعه وهو صامتٌ أبله، حتى أننا تعجبنا، وقمنا بركله بأيدينا وأرجلنا مع تزايد القهقهات.

 

تركناه ما زال صامت، وذهبنا إلى منازلنا وعلى وجوهنا الابتسامة بل والضحك المستمر، خلدنا إلى نومنا ونحن نتراسل بأن هذا اليوم من أجمل أيامنا ضحكنا، فلنكررها غدًا.

 

 

استيقظنا على رسالة تعزية على الفيس بوك من أصدقائنا، والكثير يتحدث عن أخلاقه وأدبه، ونحن نتسأل من هذا؟ إلى أن اتضحت الرؤيه، كيف! إنه هو، كيف مات، ارتعشت أوصالنا، تعجبنا، ذهبنا إلى المشفى لنتأكد.

 

 

الخبر حقيقي، أمه صامته، أبوه حزينٌ يختبئ بحزنه خلف باب المشرحة.

 

 

 

تسألنا ماذا حدث له؟ نطقت الأم أخيرًا، هذه المذكرة وجدتها بحوزته يحتضنها، وأنا أُميّةٌ يا بني، خذها واقرأ ما بها وأخبرني لعلي أجد ما يشفي غليلي .

 

 

حنت قلوبنا فجأة وقمنا بالتعزيه، وبدأنا في فحص هذه المذكرة، الصفحة الأولى بعنوان الندبة الأولى وأسمائنا تعلو الصفحة، المذكرة كانت عبارة عن ثلاثون صفحة، يملؤها جميعها بعبارة الندبة رقم كذا، الثلاثون صفحة ندباتٌ عالقةً في قلبه.

 

 

لم أجد غير أسمائنا في كل صفحةٍ، يتحدث هنا عن كل شيء فعلناه، الصفحة الأخيرة مكتوبٌ فيها ما وصفناه به وبجوارها تعليقه فيقول؛( أرهقتني الندبات، لم أنم منذ ثلاثون يومًا، هل أنا قبيحٌ يا أمي؟ أبي هل أسناني كأسنان الماعز، أخبراني، الندباتُ تزداد، أشعر بثقلٍ في قلبي يزدادُ يومًا بعد يوم، لما أنا من أصبت بهذه اللعنة، لعنة الندبات، أتمنى ألا أستيقظ غدًا فما عاد قلبي يحتمل كل هذا، وكيف أستيقظ وأنا لا أنام عجبًا لي، لكن الموتُ راحةً لي من كل هذا، لو أنني وجدتُ الدواء أو العشبه الفعالة لدواء قلبي لفعلت، لكن هذه الندبة ليس لها دواء أو عشبة…….)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!