ابداعات

حقًا تـحبون الشتاء!

بقلم – جلال الدين محمد:- 

شق سكون الليل دوي صوت الرعد، لأستيقظ على إثره مفزوعًا من نومي. لتلتقط أذني بعدها لحظات تلامس الأمطار مع الأرض، وأدرك أن أمامي مغامرة مثيرة في الشارع غدًا أحاول خلالها الوصول لعملي بحذاء نظيف.

 

لم أستطع النوم بعدها، بدلًا من ذلك سبح عقلي في بحر من التساؤلات والذكريات حول الشتاء، الذي لاحظت عند تفقد التقويم أن اليوم موعد بدايته.

 

لا أخفيكم سرًا أشعر أن كانون الأول “ديسمبر” ينظر إلي ضاحكًا بسخرية، فالشتاء يا عزيزي ليس وقتي الأفضل في السنة، بل هو أحد أثقل فتراتها على قلبي بلا منازع.

 

من أين أبدأ معك؟ من طفولة كنت أعاني فيها من أسوء أشكال الأنفلونزا، والتي كانت تؤثر البقاء معي قليلًا حتى بعد رحيل الشتاء. وكأنها تقول أعلم انك تكرهه، وهو يكرهك أيضًا لذلك فضل بقائي معك لبعض الوقت لإغاظتك.

 

ربما من شريط ذكريات سيء على مدار سنوات، ولكن هذا سيجعل كلماتي تتسم بالكآبة وهو ما لا أريد فعله الآن. لحظة! تذكرت أمرًا مُضحكًا، ذات مرة كنت أحاول عبور الشارع مع صديق لي فترة الثانوية، وكانت مكسوة بالطين في هيئة يمكنك إذا تفقدتها من أعلى لظننتها حلوى النوتيلا تُزين طبق حلويات ما، من ابتكار ذاك المحل الشهير.

 

بدأ الناس في الصراخ علينا لإفساح المجال، وهنا قررت عبور الشارع في أحد حركات البالية، على نحو جعل صديقي على وشك السقوط أرضًا من شدة الضحك. المؤسف أن حذائي لم يبقى نظيفًا حتى بعد هذا الاستعراض المباغت.

 

ذكرياتي السيئة مع الشتاء يمكنها أن تتشكل أيضًا بقالب كوميديا سوداء. مثلًا أذكر في أحد السنوات انفجار أنابيب المياه في الحي الذي أسكنه، وتدميرها لأراضي المزارعين في القرى المجاورة. وقتها كنا مجبرين على شراء مياه الشرب بأسعار باهظة.

 

وفي المدينة، يمكنني سرد عشرات المواقف المُضحكة المُبكية عن غرق الشوارع، ليجد الناس أنفسهم في موقف الحاجة لممارسة السباحة الحرة؛ للوصول إلى أماكن عملهم أو بيوتهم. يا لحظ الصيدليات! ربما يحققون مبيعات قياسية من عقاقير الأنفلونزا.

 

لن أغفل البُعد الإنساني للأمر، فطالما رأيت عائلات تُعاني بحق خلال هذا التوقيت من السنة، وهم لا يملكون حتى السقف الذي يقيهم من المطر. ولا الصور التي رأيتها لمعاناة أشقائنا في سوريا وغزة مؤخرًا، وهم يبيتون في خيام بالية لا تُسمن ولا تُغني من جوع أمام برد قارس.

 

وهنا أتذكر تلك الفتاة الرقيقة التي كانت تجلس على طاولة مجاورة لي في أحد المقاهي، وتتحدث لصديقتها عن مقدار حبها للشتاء، وصوت فيروز البديع الذي يؤنسها خلاله، ومشروبها الدافيء الذي يملأ كل ذرة من كيانها بالحب.

 

أعتقد أني كنت ابتسم في بلاهة تامة، مُتسائلًا عما إن كانت تتحدث عن الشتاء الذي أعرفه أم أنها تُسافر كل عام إلى ڤيينا لقضاء الشتاء هناك؟! حتى مباريات كرة القدم الرائعة التي تُقام خلاله لا تشفع لهذا الفصل عندي.

 

يا قوم، كيف تحبون الشتاء؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!