مقالات

ضربات بندر عباس : إسرائيل تحرك المياه الراكدة ومفاوضات أمريكا وإيران على المحك

✍️ يوحنا عزمي 

تعرض ميناء بندر عباس الإيراني – أحد أهم الموانئ العسكرية والتجارية على مضيق هرمز – لهجوم تخريبي كبير.

الهجوم استهدف منشآت لوجستية ومخازن حربية يُعتقد أنها تستخدم لدعم أنشطة الحرس الثوري الإيراني الإقليمية.

ورغم تكتم طهران الرسمي، تشير مصادر استخباراتية إلى أن العملية تمت عبر تفجير داخلي منسق أو عبر طائرات مسيرة متطورة.

الحادثة جاءت في توقيت حساس جدًا، حيث كانت تجري مفاوضات سرية بين أمريكا وإيران في سلطنة عمان، مما عزز الشكوك بأن العملية تهدف إلى نسف جهود التقارب بين واشنطن وطهران.

أصابع الاتهام غير الرسمية توجهت نحو إسرائيل، التي لها تاريخ طويل من تنفيذ عمليات مشابهة ضد أهداف إيرانية حساسة.

١. إسرائيل هي المستفيد الأول من عملية بندر عباس اليوم في إيران.

تُعتبر إسرائيل المستفيد الأكبر من الهجوم الذي وقع في ميناء بندر عباس الإيراني ، أحد أهم الموانئ العسكرية والتجارية لإيران.

العملية (سواء كانت تخريبًا داخليًا أو ضربات موجهة) تهدف إلى إضعاف قدرة إيران على استخدام هذا الميناء كنقطة دعم لوجستي لعملياتها الإقليمية. 

إسرائيل ترى أن كل ضربة للبنية التحتية الإيرانية تُقلل من نفوذ طهران في الخليج واليمن وسوريا ولبنان. كما أن العملية تضعف موقف إيران التفاوضي مع الولايات المتحدة ، وهو ما يناسب تل أبيب التي ترفض أي تقارب أمريكي إيراني قد يهدد تفوقها الإقليمي.

٢. إسرائيل معترضة على المباحثات الأمريكية الإيرانية.

تل أبيب تنظر بقلق بالغ إلى أي مفاوضات أمريكية إيرانية ، لأنها ترى أن أي صفقة محتملة (مثل صفقة 2015 النووية) ستعني رفع العقوبات جزئيًا عن إيران، مما يسمح لها بتمويل حلفائها الإقليميين مثل حزب الله وحماس. 

إسرائيل تريد أن تبقى إيران تحت أقسى درجات الضغط والعزلة الدولية. اعتراضها الحالي يتخذ شكل تحركات عسكرية خاطفة ورسائل استخباراتية لواشنطن تحذر فيها من مخاطر “استرضاء طهران”.

٣. إيران لن تعطي الفرصة لإسرائيل وتقرر أن ترد على عملية بندر عباس أو تضعها على طاولة المباحثات مع أمريكا.

إيران تعي اللعبة الإسرائيلية جيداً ، ولهذا أمامها خياران استراتيجيان :

إما الرد العسكري المحدود الذي يحفظ ماء الوجه دون التصعيد الشامل.

أو إستخدام العملية كورقة ضغط في مفاوضاتها مع واشنطن بوصف نفسها “ضحية للعدوان”، لتطلب تنازلات إضافية.

القيادة الإيرانية تميل إلى الخيار الثاني حاليًا، أي استثمار الحادثة لتعزيز موقفها التفاوضي ، لكنها تحتفظ بخيار الرد العسكري إذا شعرت أن المفاوضات لا تحقق المكاسب المرجوة.

٤. العملية تزامنت مع جلسة ثالثة ناجحة بين إيران وأمريكا في سلطنة عمان.

اللافت أن الهجوم تزامن مع الجلسة الثالثة من المحادثات الأمريكية الإيرانية السرية في مسقط ، ما يؤكد أن العمل التخريبي كان يهدف إلى عرقلة هذا التقارب.

مصادر دبلوماسية تشير إلى أن الجلسة كانت إيجابية للغاية مع تقدم كبير في الملفات النووية والأمنية. وهذا ما أثار انزعاج إسرائيل وبعض حلفائها في الخليج الذين يخشون من أن تؤدي التفاهمات إلى إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة لصالح إيران.

٥. ترامب اتخذ نهج أوبامي ونرى باراك حسين أوباما في رداء دونالد ترامب في مباحثات أمريكا مع إيران.

من المثير للسخرية السياسية أن دونالد ترامب ، المعروف بموقفه المتشدد ضد إيران خلال فترته الرئاسية الأولى ، بات اليوم يتبع أسلوب باراك أوباما القائم على التفاوض والصفقات الدبلوماسية.

ترامب ، الذي مزق الاتفاق النووي في 2018، يسعى اليوم لعقد إتفاق “أفضل” مع إيران، مما يجعله يبدو وكأنه يرتدي عباءة أوباما بطريقة براغماتية خالصة ، متجاهلًا صقور حزبه الذين يطالبون بالتصعيد العسكري.

٦. ترامب يسعى إلى اتفاق مع إيران وتهدئة في غزة ولبنان وحسم حرب أوكرانيا حتى ينتهي من مشاكل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وينقل مسرح العمليات إلى الشرق الأقصى أو شرق آسيا حيث معركته الرئيسية مع الصين.

إستراتيجية ترامب الأوسع تقوم على قاعدة واضحة : إنهاء التوترات في الشرق الأوسط وأوروبا بأسرع وقت ، ليتفرغ للصراع الجيوسياسي الأكبر مع الصين.

يريد اتفاقاً مع إيران لتقليل احتمالات إندلاع حرب جديدة في الخليج.

يسعى لهدنة طويلة في غزة ولبنان لتجميد الجبهة الجنوبية لإسرائيل.

يضغط لإنهاء الحرب الأوكرانية إما باتفاق أو بتجميدها على وضع ميداني ثابت.

في حساباته ، يجب تركيز الجهد الأمريكي على كبح الصين اقتصاديًا وعسكريًا ، وهو الصراع الذي يعتبره “معركة القرن”.

٧. ترامب يسعى إلى اتفاق مع إيران قبل زيارته إلى الخليج العربي منتصف مايو 2025 حيث يزور السعودية والإمارات وقطر.

التوقيت حاسم بالنسبة لترامب. زيارته المرتقبة إلى السعودية والإمارات وقطر في منتصف مايو 2025 تتطلب أن يكون لديه إنجاز دبلوماسي كبير ليقدمه لحلفائه الخليجيين.

إتفاق مبدئي مع إيران سيعزز صورته كـ”صانع للسلام” ويمنحه أوراق ضغط إضافية في مفاوضاته مع دول الخليج بشأن ملفات النفط ، التطبيع ، والأمن الإقليمي.

ترامب يعرف أن المنطقة لا تتحمل المزيد من التصعيد ، وأن زيارته ستكون محط أنظار العالم ، ولهذا يحاول أن يحسم الملفات العالقة سريعًا قبل أن تطغى الأزمات على أجندته الخليجية.

ما يحدث اليوم من اشتباك خفي بين إسرائيل وإيران وأمريكا في حادثة بندر عباس ليس مجرد حدث أمني معزول، بل هو جزء من لعبة دولية كبرى تعيد رسم خريطة التحالفات والصراعات في الشرق الأوسط استعدادًا للمعركة القادمة في شرق آسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!