مقالات

الطائفية .. السم الذي يفكك أوطاننا من الداخل

✍️ يوحنا عزمي 

لا توجد منطقة في العالم ابتُليت بالطائفية ، ودفعت – ولا تزال تدفع ثمناً باهظاً لها مثل المنطقة العربية. لقد بلغ هذا الداء حداً لم يعد يُطاق أو يُحتمل.

فالطائفية ، بكل ما تحمله من رذائل وشرور ، بطبيعتها السامة والملغومة ، وبإفرازاتها المجتمعية المُدمرة ، كانت ولا تزال السبب الجوهري في نشوء موجات الإرهاب والتطرف الديني، التي أغرقت مجتمعاتنا في مستنقع العنف والفوضى، وأحدثت فيها خرابًا ودماراً لا يوصف. يكفي أن نشير إلى داعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات الإرهابية التي تتستر بالدين ، بينما هي في حقيقتها جماعات خارجة عن الإنسانية ، لا تعرف معنى للتسامح أو التعايش أو الإخاء بين البشر ، على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم.

إنها معانٍ سامية دعت إليها كل الأديان السماوية ، التي بدونها تفقد جوهرها الحقيقي ، ألا وهو : إسعاد الإنسان. فالأديان كلها لله ، وهو وحده من يملك حسابنا عليها ، لا هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم وكلاء عن الإله ، وملؤوا ساحاتنا قتلاً وتشريداً.

والمفارقة الكبرى أن هذه الطائفية البغيضة استشرت في مجتمعاتنا العربية بشكل خاص ، رغم انتشار التعليم ، وتزايد مظاهر التدين ، والانفتاح الكبير على تقنيات الاتصال الحديثة، التي وفرت لنا فرصاً غير مسبوقة للتواصل مع العالم بكل ثقافاته وأفكاره. ومع ذلك ، لم نستطع أن نتفاعل معها إيجابًا ، وكأننا نعيش على هامش الزمن أو خارج التاريخ! وهو تناقض مؤلم يصعب تفسيره.

مع الطائفية ، يغيب مفهوم المصير المشترك ، والوطن الواحد الذي يحتضن أبناءه جميعًا بلا تفرقة أو تمييز. تغيب قيم التعايش، ليحل محلها الرفض والتعصب والكراهية ، في مجتمعات عربية كان من المفترض أن توحدها تجارب العيش المشترك والتحديات الكبرى التي واجهتها جميعًا عبر التاريخ. لكن ، للأسف ، نحن لا نقرأ التاريخ كما يجب ، ولو فعلنا ، لتعلمنا دروسًا ثمينة ، ولبغضنا الطائفية ومن يروج لها أو يتستر خلفها.

أتساءل ، كما يتساءل كثيرون : ألا تدرك مجتمعاتنا أن الطائفية هي السلاح الأخطر الذي يستخدمه أعداؤنا لاختراقنا من الداخل؟!

 إنها وسيلتهم لتمزيق مجتمعاتنا ، وهدم وحدتنا ، وتشويه نسيجنا الوطني. لقد زرعوها فينا ، وغذوها بالفتن والدسائس والمؤامرات، وما نراه اليوم في كل ركن من أركان العالم العربي شاهد حي على ذلك.

ويبقى السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا بصدق وشجاعة: لماذا نحن دون غيرنا من الأمم ، بلغنا هذا الحد من الطائفية والتعصب والعنف؟ 

وهل يمكن أن نجد حلاً لهذا الداء ، أو على الأقل بداية لطريق يُخرجنا من هذا الجحيم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!