ابداعات

صراخٌ

 

 

الشيماء أحمد عبد اللاه 

 

هذه ليست مركبًا، بل قلبي المشقوق يركض على صفحة البحر، يصرخ دون صوت، ويكتب بجناح مكسور رسالة وداع لا تُقرأ، من قال إن الخشب لا يبكي؟ هذه الألواح تعرف طعم الوجع، تحمله دون أن تصدر أنينًا، حتى البحر، بكل جبروته، ينحني ليبتلع هذا الحزن القادم من عمقٍ أعمق من الماء.

 

الموجة ليست مجرد ماء، إنها ماضٍ يُطاردني، وظلال وجوهٍ لم تودّعني، وكلماتٍ اختنقت في حنجرتي، هذه الرغوة البيضاء على حوافها، ليست زبدًا، بل بقايا أحلامي المنكسرة التي لم تجد ضفة ترسو فيها، كل التواء في الماء هو صرختي التي انحرفت عن مسارها، وقررت أن تغرق.

 

انظر جيدًا، البحر ليس أزرق، إنه حزنٌ مصبوغ بالحيلة، إنه لون الغرقى، لون الذين تعبوا من النجاة، أما المركب، فليست وسيلة نجاة، بل تابوت خشبي يطفو عنادًا، لا أمل بداخله، لا يحكى عن حياة، بل عن محاولة أخيرة للصمت.

 

كل وجهٍ في المركب ينظر للأمام، لا لأنه يعرف الطريق، بل لأنه يخشى أن يلتفت فيناديه الوجع، ليس هروبي جُبنًا دائمًا، أحيانًا هو فعل بطولة أخيرة لمن اختنقوا في اليابسة، والموج يعرف ذلك، لذلك لا يرحمني، إنه يحتضنني حدّ الاختناق.

 

وفي النهاية، سيختفي أثر المركب، وتبقى الزرقة العميقة شاهدة، لا أحد سيتذكر اسمي كراكبة، لكن البحر سيتذكر صرختي، وسيخبئها في جوفه، لتُولد يومًا في موجة جديدة، تهرب هي الأخرى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!