ابداعات

في رثاء الشريف

 

بقلم – جلال الدين محمد 

 

لم يكن البكاء حين يموت عزيز لي من شيمي المعهودة. لا أذكر صراحًة أني فعلت ذلك سوى حين رحلت جدتي لأمي.

 

كنت في الثامنة من عمري وقتها، واسترقت السمع فوجدتهم يقولون أنها رحلت، فدخلت للغرفة ثم بكيت حتى غلبني النوم. خلاف ذلك كنت أكتفي بمواساة من حولي، حتى أني دائم المزاح في لحظات الرحيل على نحو يجعلك تظنني باردًا أو أبلهًا.

 

لكن القاعدة كُسرت لأجلك يا أنس، انتفض جسدي من الصدمة وكأن أحدهم قد صعقني بالكهرباء حين علمت ما حدث لك، وجدت نفسي غير قادر على الكلام مع أي أحد عن أي شيء، وحين صرت وحدي لم أستطع أن أتوقف عن البكاء.

 

لم أقابلك من قبل، ولم تدر بيننا محادثة واحدة، لكني تمنيت من كل قلبي لو يحدث ذلك يومًا ما، وأن تمتد بيننا جذور الصداقة والأخوة بعد هذا اللقاء الذي لن يحدث أبدًا الآن.

 

أنس الشريف 

غزة، فلسطين، كنت أسمعها منك كل يوم، فصارت وكأن عزيزًا على نفسي يُطمئني عليه، ويُعرفني أخباره وما حدث معه. 

 

كنت الحُجة على كل متخاذل يا أنس، صوتك سيشهد أمام رب العالمين أنك أخبرت العالم بما يحدث ولم يتحرك أحد، أخبرتهم عن الإبادة، التدمير، والمجاعة، عن كل جريمة حدثت، لم تكن لتُقام الحجة فيها لولا صوتك الشريف.

 

نعشك هذا يا أنس!

أنت الخبر الآن ولست من تنقله!

أهكذا ينتهي الأمر!

 

ألن أراك على الأعناق وأنت تخلع خوذتك ودرعك احتفالًا بالنصر حين يكتب الله موعده؟!

 

ألن تخرج بعد أن ينتهي الأمر لتُوثق تجربتك، وتخبر الناس عما مررت به في سبيل نقل الحقيقة التي أدركت كم هي أمانة ثقيلة، حملتها بجدارة لاثنين وعشرين شهرًا كنت خلالها خير من يحملها؟!

 

سيكون عمرك يا أنس أطول بكثير من عمر قاتلك، ستبقى قدوة ونبراسًا لكل من يريد أن يمارس هذه المهنة يومًا ما.

 

سيلاحقهم العار في كل يوم، ولن تنطفيء نار الثأر لك ولكل شريف يا أنس، حتى يحترقوا بها عن بكرة أبيهم.

 

طيب الله ذكراك يا أنس وبارك في سعيك وكتب لك الفردوس الأعلى مع الأنبياء والمرسلين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!