ابداعات

“أيلول والموت”

المهند إسلام 

 

جذبني من يدي،

وأشار بيده للأمام،

بينما عيناه المثقوبتان تنظرُ باتجاهي.

نظرتُ إلى ما كان يشير عليه،

حتى وجدتهم.

 

كلّ عامٍ،

في بلدتنا الصغيرة،

وبالأخص في فصل الخريف،

تمتلأ جداول الجميع مزدحمة،

فرحة،

لجميع فعاليات البلدة.

لكن ليسَ أنا،

فكلُّ عامٍ،

وفي كلِ حدثٍ خريفي،

يحدثُ شيءٌ عجيب،

يختفي من معي.

علمتُ عامٌ وراء عام،

بعد أن انتهى بكاءي،

وبياتي الشتوي بسبب الحزن،

أن هناك قاتلٌ متسلسل ،

يتربصُ بالبلدة،

وبالأخصِّ،

من أحبهم في تلك البلدة.

 

بدأ الأمر قبل أربعةٍ أعوام،

حين بدأ العامُ الدراسي الجديد،

وتساقطت أوراق الأشجار معلنة عن قدوم شهر “أيلول”.

وبداية التجهيزاتِ لحفلةِ “رقصة القرع”،

حيثُ من المطالب من كل طالب إحضار شريكة معه لتلك الحفلة،

مهللين بأجمل وأبشع الثياب،

أعني ثياب خريفية بالطبع.

وكنتُ وقتها مغرمٌ بتلك الفتاة،

تلك الجميلة الرقيقة،

التي نظرت إلي حين لم يكن أحدٌ يلحظُ وجودي،

وأخذتني بيدها من عزلتي لتريني جمالَ أن أكون اجتماعي.

ذهبتُ معها لتلك الحفلة الراقصة،

بقميصٍ أبيض،

مقلم بمربعات بلون القهوة المثلجة.

بينما كانت ترتدي فستانًا بنفس لونِ القميص، 

مع بعضِ الجواهر الرقيقة، 

ومساحيقُ تجميلٍ خفيفة.

ولكن.. لم يستمر الوقت طويلًا،

ولم تستمرَ سعادتي كثيرًا،

فعندما انتهينا من رقصتنا الأولى، وذهبت هي لتحضر بعضَ المشروبات، قُتلت،

ملحوظة، مازال السببُ مجهولًا حتى الآن،

وقيلَ أنه من فعلِ روحٍ مشؤومة.

 

لا تخف يا صديقي فقد اعتدتُ هذا،

فبعد عامٍ من قتلِ حبيبتي،

أو ما كانت يومًا حبيبتي،

وبينما كنتُ أنا وصديقي نمرُّ من “متاهة الذرة”،

وهو حدثٌ خريفي آخر للعلم.

اتفقنا على الافتراق لإيجاد طريق للخروج، 

ومن يصل أولا يفوز، ويشتري للآخر قهوة القرع المثلجة.

غير أنه لم تتح الفرصةٌ لشربها.

وجد صديقي طريقةً للخروج،

بينما ظللتُ عالقًا في المتاهة،

أدور في دوائر،

ظانًا كل طريق مررتُ به قبلًا،

أنه طريقٌ جديد.

حتى أتى أحدٌ لإنقاذي،

ويقالُ أن صديقي قد اختطف من قبل روحِ مشؤومة هو الآخر!

وقد صدقتُ كما صدقتْ البلدة ما حدث،

ومر الأمر.

 

وقبل هذا اليومَ بعام،

وفي “سباق الكنوز”،

حيثُ تُرتب عمدة البلدةُ بعضَ الألغاز،

وتضعها في الجوار،

لتتعاون الفرق للحصول على كنزٍ مجهول.

تعاونتُ مع ذاك الصديقُ الذي أنقذني من الموتِ في متاهة الذرة،

ولكن لم يسر الأمر جيدًا.

كنا نتقدم للأمام طوال ٦ ساعاتِ من بداية اليوم،

وكنتُ أتجاهلُ تذمره الدائم من عدم قدرتي العقلية لحل الألغاز الصعبة للغاية.

كنتُ أتجاهلُ اتهامه لي بأنني سببُ تأخرنا،

وأنه ربما هناك من وصل لذاك الكنزِ قبلنا.

كنتُ أتجاهلُ ركضه المفاجئ حين أساعده في حل أحد الألغاز،

ليتركنني في منتصف الطريق ليجد اللغز القادم.

ثم يأتي مجددًا حينَ لا يجدُ حلًّا، للغز جديد.

كنتُ بذلت مجهودًا جبارا،

لحلّ ألغازه،

 ليصبح سعيدا،

ولكن البعض يستحقُ الموت عن الحصول على الكنز؛

فبعد تركي بوقتٍ قصير، وبعد ذهابه خلف (ما أسماهُ ب ” الكنز”)، مدعيا أنه في المدرسة المجاورة لمدرستنا، قُتل فيها، ولحسن الحظ لم أكن هناك.

يقال أن هناك طالبٌ من تلك المدرسة قد قتله لأسباب مجهولة، ولكنني أثق بأنه قُتِلَ من تلك الروح المشؤومة، التي دومًا تقتل أحبائي.

 

وفي هذا اليوم،

حاولت تلك الروح المشؤومةُ قتل قطي،

آخرُ ما تبقَ لي،

مؤنسي،

وصديقي الأوحد.

وفي “المهرجان السنوي للخريف”،

حيثُ تجتمعُ الأسواق في حديقة واحده،

وتفتح أبساط التفاح،

ثم تبدأ العروض من المسرحيات والسيرك وغيره،

بينما يتجول المارين ذهابًا وإيابًا، مرتدين ملابس مضحكة، ك”فرانكشتاين” وغيرهم من غريبي الأطوار.

نأخذُ أنا وقطي جولة في المكان، متنكرًا في أحد ملابس “هيثكليف” من رواية مرتفعات ويذرنج،

فقد كنتُ دومًا “هيثكليف”، 

مليء بالخذلان،

والموتى.

انشغلتُ ببعض العروض المسرحية، 

ساهيًا عن وجود قطي المتجول،

حتى لم أجده.

ذهبتُ للبحثِ عنه في كل مكان،

فلن أترك آخر ما تبقى لي لتلك الروح المشؤومة،

ربما أخطأتُ ثلاث مرات من قبل،

وفقدتُ ثلاثة أشخاص،

أو ربما.. اهتممتُ كثيراً بهؤلاء الأشخاص، 

حتى أتت تلك الروح المشؤومة لإنقاذي.

 

وبين بحثي، ركضي وذعري،

ظهرت تلك الروح،

ظننتها أولا شابًا متنكرا ولكن،

تلك الروح كانت أنا،

بعينين مثقوبتين،

أو ربما..

كنتُ أنا مثقوب العينين،

وجاءت تلك الروح تريني ما لم أره بعيني،

ورأته التي بلا عينين، لتؤكد إليّ أنني كنتُ أنا الأعمى.

 

أرتني الروح تلك الفتاة وهي تمسك بيد شايبًا غيري وتتجول في المهرجان في زي “هيرموني” من هاري بوتر،

بينما يرتدي هو زي “غرينجر” حبيب “هيرموني”، وكنتُ أنا “هاري” القصة.

 

أرتني صديقي وهو يتوهُ في حقول الذرة، تاركًا شخصُ آخر لا يستطيعُ الخروج من المتاهة.

 

أرتني صديقي الذي أنقذني من المتاهة، وهو يتحدثُ مع أصدقاءه من المدرسة المجاورة التي وجد فيها الكنز.

 

أرتني أن المشترك بين هؤلاء الثلاثة، هو أنهم نسو من أكون.

نسو أنني كنتُ يومًا موجود.

ثم أهدتني الروحُ قطي قائلة “حافظ على ما تبقَ لك”.

وكانت تلك الروحُ هي نفسي،

اتخذت طريق القتل لتحميني، 

وكنتُ أنا مثقوب العينين الذي يرى بقلبه،

وربما كتب المؤلف القصة من محضِ خيالٍ،

وربما لا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!