ابداعات

شعوب

 

 

 

بقلم :ضياء علي الدعاس

تلك الكلمة العجيبة، شعوب، كم تختزن من المعاني بين حروفها القليلة

إنها ليست جمعًا لكلمة شعب فحسب، بل جمعٌ لأحلامٍ وانكسارات، لأصواتٍ صدحت ثم خبت، ولوجوهٍ عبرت التاريخ كأنها ظلال على جدارٍ من الدخان

كأن الشعوب هي تلك الكتلة الصامتة التي تحمل على كتفيها أوزار القرارات، وتدفع أثمان الصراعات، وتنتظر خلاصًا لا تعرف من أين يأتي

 

ما أعجب أمر الشعوب!

تُقاد باسم الحرية، وتُساق باسم العدالة، وتُخدع باسم الوطن..

وحين يُخطئ الحاكم، يُقال إنها اختارته، وحين يصيب، يُقال إنه أنقذها

تُحسب عليها الخسائر، ولا تُنسب إليها الانتصارات، فهي دائمًا في كل معادلة من معادلات الوجود السياسي والإنساني الفاعل الغائب..

 

وليس هذا حال الشعوب المستضعفة وحدها، بل حتى تلك التي تغنت بالديمقراطية وكتبت دستورها بمداد التاريخ؛ تراها تسير في الطوابير ذاتها، وإن اختلف شكل الصندوق أو لون الورقة..

إنها تسير بخطى منتظمة، ولكنها لا تدري إلى أين، كما قال جورج أورويل يوم صور عالمًا يلبس القهر ثوب النظام، ويغدو الإنسان فيه رقمًا في سجلً طويل من الطاعة والاعتياد

 

يبدو أن الشعوب، أيًا كان موطنها، تشترك في قدرٍ واحدٍ من العجز الهادئ..

ذلك العجز الذي لا يُدركه الناس إلا حين تُغلق الأبواب، وتخمد الأصوات، ويجلس المرء أمام نفسه فيسألها كيف وصلنا إلى هنا؟

هو عجزٌ لا عن الفعل فقط، بل عن الإحساس بالمسؤولية

فكل فرد فينا يقول ..ما شأني؟ ومتى اجتمع هذا ..ما شأني..من أفواه الملايين، صار طوفانًا يجرف المدن والأحلام معًا

 

أليس من العجب أن نعيش في عالمٍ يفيض بالقوانين، ثم نشعر كأننا في غابة؟

غابةٍ لا تحكمها المخالب، بل الأوراق الرسمية، ولا تسيل فيها الدماء، بل تُوقع فيها الأوامر

ومع ذلك، يبقى الخوف نفسه، والتوجس نفسه، والوحشة ذاتها

فالغابة لا تتبدل حين يتبدل شكل أشجارها، بل حين يتبدل من يسكنها

 

وقد قيل 

إذا الشعبُ يومًا أرادَ الحياةَ

فلا بُدَّ أن يَستجيبَ القدر

 

لكني أظن بأننا نحن كشعوب لم نعد نريد الحياة بقدر ما نريد النجاة…

نخاف أن نحلم، نخاف أن نُسائل، نخاف أن نحيا بكرامة، فنرضى بالفتات ونسميه قدرًا

 

غير أن الحقيقة المؤلمة هي أن لكل شعبٍ نصيبًا من المسؤولية لا يسقط عنه ولو صمت ألف عام..

فإن كان الطغيان سيفًا، فالصمت غمدُه، وإن كان الفساد نارًا، فالتغاضي وقودها

من هنا، حين أقول “نحن الشعوب”، لا أقولها بصيغة التفاخر، بل بصيغة الاعتراف…

نحن الشعوب، ضحايا العالم وسادته، عبيده وأربابه، الغافلون عن قوتنا ونحن نحملها في صدورنا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!