مقالات

لبنان بين العاصفة والهاوية : أسابيع حاسمة تنذر بانفجار إقليمي

✍️ يوحنا عزمي

تبدو الأسابيع القليلة المقبلة كأنها تُساق باندفاع عنيف نحو مرحلة غاية في الخطورة بالنسبة للبنان، مرحلة تختلط فيها التهديدات بالضباب ، وتتشابك فيها الأجندات الإقليمية والدولية على نحو يكاد يخنق خيارات الدولة اللبنانية ويضعها أمام مفترق طرق تاريخي قد يغير ملامح المنطقة بأكملها. فلبنان اليوم يقف على خط تماس ساخن ، تُدفع إليه المخاطر دفعة واحدة وبسرعة تفوق قدرته على الاستيعاب، لأسباب تتداخل فيها الحسابات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية ، ويُزج فيها الداخل اللبناني في دوامة لا يستطيع التحكم بإيقاعها ولا بتسارعها.

أولى هذه الضغوط تأتي من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تتعاملان مع ملف سلاح حزب الله باعتباره أولوية يجب حسمها قبل نهاية الشهر القادم. فالإدارة الأمريكية لا تُخفي دعمها الكامل لأي تحرك إسرائيلي يستهدف تجريد الحزب من سلاحه بالقوة ، إذا فشلت الدولة اللبنانية في القيام بذلك بنفسها. هذا الموقف الحاد ترافقه اعتداءات إسرائيلية مستمرة على جنوب لبنان، تُبررها تل أبيب بحماية المستوطنات الشمالية وتأمين الحدود ، بينما يراها لبنان تمهيداً لعمل عسكري أوسع.

وفي قلب هذا التصعيد ، يتصاعد التوتر بين لبنان وإيران على خلفية مطلب “حصر السلاح بيد الدولة”، وهو المطلب الذي تصر عليه واشنطن وتل أبيب، وتتجاوب معه الحكومة اللبنانية ظاهريًا ضمن التزامات وضعت نفسها بها رغم معرفتها باستحالة التنفيذ.

في المقابل ، تعلن طهران موقفاً صريحاً لا مواربة فيه : الوقوف الكامل إلى جانب حزب الله ، ورفض التخلي عن دعمه أو الضغط عليه لتسليم سلاحه. بل إن تصريحاً شديد اللهجة للدكتور علي لاريجاني – مستشار المرشد الأعلى للشؤون الأمنية – زاد من اشتعال الموقف حين وصف حزب الله بأنه “أكثر أهمية للبنانيين من الماء والخبز” ، ما دفع العلاقة اللبنانية – الإيرانية إلى ساحة مواجهة سياسية وإعلامية ملتهبة.

وبين هذا الاستقطاب الحاد ، يجد لبنان نفسه محاصرًا بين المطرقة الأمريكية – الإسرائيلية والسندان الإيراني ، واقفاً في زاوية ضيقة تكاد تخنق كل خياراته. فالمهمة التي التزمت بها الحكومة اللبنانية تبدو شبه مستحيلة على المستويين الواقعي والعملي ، والرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام يدركان جيدًا أن محاولة نزع سلاح حزب الله بالقوة قد تفتح أبواب جحيم داخلي لا يمكن إغلاقه ، وقد تدفع البلاد نحو فوضى شاملة أو حرب أهلية في لحظة إسرائيل بانتظارها لإعادة رسم حدود النفوذ والسيطرة عبر مناطق عازلة وتدابير أمنية تفرضها بالقوة.

الصورة العامة للمشهد اللبناني قاتمة إلى حد يبعث على القلق، وكل الاحتمالات تبدو مفتوحة، بما فيها السيناريوهات الأكثر سوداوية. فالتوتر يتصاعد بوتيرة تُنذر بانفجار وشيك ، وربما تتجاوز تداعياته الحدود اللبنانية لتصل إلى إيران نفسها إذا تحولت المواجهة إلى صراع إقليمي واسع.

والمؤشرات المتراكمة يومًا بعد يوم تجعل من الصعب تجاهل احتمال أن ما نشهده الآن ليس سوى مقدمات لعاصفة أكبر قادمة ، قد تُعيد تشكيل الشرق الأوسط من جديد ، وتترك لبنان في قلب الإعصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!