مقالات

عندما تهتز عروش الكبار : زلزال ملفات إبستين يفتح أبواب جحيم السياسة العالمية

✍️ يوحنا عزمي

نحن على شفا زلزال سياسي قد يقلب موازين السلطة ويكشف أسماء رجال دولة كبار حول العالم ..

الحديث اليوم يدور حول مطالب متصاعدة داخل الولايات المتحدة لنشر ملفات چيفري اپستين المحجوزة، وهي ملفات تقول التقارير إنها تحوي تسجيلات فيديو ورسائل وإيميلات ومكالمات قد تربط شخصيات سياسية واقتصادية بارزة بوقائع جنائية (بما في ذلك ادعاءات عن استغلال قاصرات في أوضاع جنسية مروعة). هناك من يذهب أبعد من ذلك ويزعم أن بعض التسجيلات والاستغلال كانا وسيلة للسيطرة أو ابتزاز قيادات دولية ، وأن جهات استخباراتية خارجية هي من مسكت الخيوط. إن لم تكن قد سمعت بذلك من قبل ، فقد شهدنا من قبل تداعيات مماثلة عندما جُرد الأمير أندرو من ألقابه وحقوقه الملكية ، وهو تحرك اعتبره كثيرون بمثابة مؤشر على أن وثائق أو أدلة جديدة ستظهر على الملأ.

المحللون المتابعون للشأن الأمريكي لم يخفوا دهشتهم من سلوك الرئيس السابق دونالد ترمب في هذه المرحلة :

تصرفات أشد من نوعها ، مقاومة غير معتادة ، واستجابة عنيفة لكل محاولة للكشف. الكل يتساءل: لماذا يظهر ترمب بهذه الحالة المضطربة؟ هل ثمة ما يخشاه لأن اسمه حاضر في ملفات لم تُنشر بعد؟ أم أن هناك جهات تحاول منع الإفشاء لأسباب استخباراتية أو جيوسياسية؟ لا يوجد جواب حاسم ، فقط تكهنات متزايدة وملاحقات إعلامية وسياسية.

من هو چيفري اپستين؟ الرجل الذي خرج من خلفية متواضعة ليصبح مضيفًا لشبكة من النخبة – مليارديرات، سياسيين ، وحتى أفراد من العائلات الملكية – في أماكنه الخاصة من منزله في نيويورك إلى جزيرته الخاصة. بينما  لا توجد حتى الآن وثائق رسمية تؤكد انتماءه لوكالة استخباراتية أجنبية ، فقد انتشرت فرضيات قوية تربطه بعلاقات مع جهات استخباراتية خارجية ، وذهبت سجالات الرأي العام أبعد من ذلك في تفسير الدوافع والغايات.

الأهم من ذلك ، أنه اتهم باستغلال قاصرات في حفلات وجلسات خاصة ، وفي نهاية المطاف وُجهت له تهم تتعلق بالاتجار بالجنس ، وحين اعتُقل توفي وهو رهن الاحتجاز في ظروف أثارت الكثير من الشكوك حول ملابسات الوفاة نفسها.

شريكته المعروفة باسم غيسلين ماكسويل ، التي تواجه  الآن قضايا جنائية ، تُقدم كعنصر مركزي في الشبكة التي كانت تزود اپستين بفتيات ، وهي شخصية من أصول ثرية وعلاقات واسعة أثارت تساؤلات عن دور النفوذ والثروة في حماية المتهمين وتأثيرها على مجرى التحقيقات.

كل ذلك غذى حالة من الغضب الشعبي والاهتمام الإعلامي الذي طالَب بكشف كامل الحقائق حول ما جرى ، وبمن استفاد بالفعل من هذه الشبكة ومن الذي جرى ابتزازه أو توريطه.

اضطراب الساحة الأمريكية اتخذ صورًا متعددة : قنوات مستقلة وأنصار سياسيون يطالبون بالكشف الكامل، اتهامات متبادلة بين معسكرات سياسية ، وتسريبات من جهات مختلفة أطلقت شرارة غضب شعبي.

في المقابل ، جاءت استجابات رسمية ودفاعات من طرف مؤيدين للسلطة الراهنة تؤكد أن ما يجري مجرد حملة سياسية لتشويه سمعة أطراف معينة. كل ذلك أدى إلى تزعزع في قواعد الدعم الشعبية لدى بعض القيادات، وزيادة الضغوط داخل الكونجرس على إقرار إجراءات للكشف أو إعاقة نشر الملفات ، وفقًا لمواقف متغيرة داخل الأحزاب.

أحد الأسئلة التي لم يطرحها الكثيرون بصراحة حتى الآن هو : من الذي تسبب في سقوط إمبراطورية اپستين فعلاً؟ كيف تم اختراق هذا العالم المظلم الذي جمع بين المال والسياسة والمخابرات والفساد الجنسي؟

ثم لماذا لم تُسلط الأضواء على الفاعل الحقيقي لهذا الاختراق؟ هناك من يقول إن التسريبات جاءت من داخل أجهزٍة رسمية ، وهناك من يعتقد بأنها جزء من حرب مصالح سياسية أو استخباراتية متشابكة، لكن الإجابة النهائية لم تُحسم بعد.

أدرجت لك تحت هذا النص ترجمتين لمحتوى فيديوهين ادعت تيارات معينة أنهما يلخصان ما يُسمى بالكارثة المحتومة : نصان مليئان بادعاءات تربط اپستين بعلاقات مع شخصيات أمنية إسرائيلية وتقول بوجود رسائل إلكترونية وتحويلات مالية تربط بين چيفري اپستين ومستشارين سياسيين إسرائيليين سابقين ، وأن هناك اتصالات سرية جرت في شقق وقصور اپستين لتنسيق أمور لها أبعاد استخباراتية وتجارية وسيبرانية.

هذه الروايات تتداخل فيها ادعاءات عن أن اپستين عمل كقناة لترويج مصالح أمنية إسرائيلية وتسهيل صفقات في دول مختلفة ، بل وتدعي أنه كان جزءًا من مبادرات للتأثير على سياسات إقليمية مثل التعامل مع الملف السوري وإيران. يجب أن نوضح أن كثيرًا من هذه النقاط مبنية على تسريبات ومزاعم لم تُحكم بعد في محاكم أو تقارير رسمية مستقلة ، لكنها تُروج بقوة في فضاءات إعلامية عدة وتغذي نقاشا عاماً غاضباً

أما النص الثاني الذي ترجمته فهو يركز على رسائل مزعومة بين اپستين وشخصيات أمريكية تشير إلى علاقة وثيقة أو على الأقل معرفة متبادلة بين اپستين ورجال من محيط ترمب ، بما في ذلك ادعاءات بأن اپستين تبادل رسائل تحدث فيها عن معلومات kompromat عن ترمب ، وأن ثمة رسائل تُظهر تهكمًا وصفات مهينة لطرف مقابل ، وتدور مناقشات داخلية حول مدى تأثير هذه المواد على حملات سياسية وسمعة أفراد ، فضلاً عن ادعاءات بأن جزءًا من الرسائل يلمح إلى علم ترمب أو قربه من وقائع لا يمكن تجاهلها. استجابة لذلك ، تصاعدت الاتهامات بأن نشر هذه الوثائق مسيس ، بينما يرى آخرون أن الإفصاح ضروري لمحاسبة الفاسدين وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب.

الخلاصة المؤقتة – وعلى الرغم من أن كثيرًا من المواد لا تزال قيد التحقيق وأن ثمة تضاربًا كبيرًا في الروايات والتفسيرات – هي أننا أمام موجة من المعلومات والتسريبات التي قد تُحدث زلزالًا سياسيًا وأخلاقيًا على مستوى النخب العالمية. سواء انتهت القصة إلى فضيحة مدوية تطيح بأسماء أو إلى حملة تشويه سياسي منظمة ، يبقى الأمر أنه أمامنا عملية تحقق ومساءلة ، وأن الجمهور يطالب بمعرفة الحقيقة كاملة، لا الروايات المنتقاة.

حتى ظهور نسخ مؤكدة من الوثائق أمام محاكم أو تحقيقات مستقلة ، علينا أن نفرّق بين ما هو موثَّق وما هو ادعاء ، وأن نراقب تطور المشهد لأن كل يوم يحمل جديدًا في هذه القضية التي تبدو أنها لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!