ابداعات

“دقيقة”

المهنّد إسلام

 

في وسطِ المدينة،

وحيثُ المباني السكنية ذا الطوابق الكثيرة،

مليئة، ومزدحمةٌ بالبشر.

 

يركضُ داخل الشوارع الضيقة،

يركضُ متعثرًا، ومتعرجًا، كثملٌ أنهى خمسَ كؤوسِ من النبيذ الأبيض.

والأمرُ مشكوكٌ فيه، فمن ذا الذي يأتي من المنزل في تلكَ الساعه، وليس سكيرا؟

غير أنه لم يكن.

ورغم ذلك، فقد السيطرة على قدميه، وسقط على وجهه، وسقطت كتب الدراسة بجانبه، معلنةٌ الاستسلام،

 معه.

انكسرت نظارته، مع أنفه الذي بدأ بالنزيف،

حتى بدأ ذاك الدم يتشكل،

إلى روحٍ ضبابية،

تقفُ مكان من سقط، 

وتنظرُ حولها.

 

فتاةُ وشاب،

 في نفس عمر من سقط،

ملتصقين أيديهم ببعضهما البعض، وبين الأيادي الأخرى كأسين من النبيذ.

يقفان على حافة الطريق، حتى لا يراهما أحد.

 

على بعد عشرَ طوابق،

رأى الروحَ رجلًا يقفُ على السطح، يدخن غليونه، 

ويتحدثُ على الهاتف.

 

في الطابق الثاني، من المبنى الذي على اليسار، يجدٌ شابًا جالسًا أمام التلفاز، ومن ملامح وجهه، تستطيع التأكد أنه لم يكن يشاهد فيلمًا عاديًا.

 

وفي الطابق الرابع، تشعُ الأضواء والضوضاء معلنة عن مجموعة من المراهقين، يحتفلون باللاشيء.

 

أما عن المبنى الأخير، فكان فيه مكتبٌ خالٍ، مليء بفناجين القهوة، وموادٌ دراسية أخرى، منتظرةٌ قدوم صاحبها، لتكمل تعذيبه.

 

هل تعلمون ما المشترك بين هؤلاء الشباب؟

أنّ جميعهم، يملكون أمام أعينهم، أطياف كتبٍ علمية، لكن لم يبالِ أيًا منهم بذلك، واستمروا فيما يفعلون.

عدا واحدٍ منهم.

هل تعلمون ما الشيء المشترك الثاني؟

هي أنهم جميعًا، بلا هدف. يعيشون على ما يأخذون من مال.

عدا واحدٍ منهم.

هل تعلمون ما الشيء المشترك الثالث؟

هي أنهم جميعًا، ينجحون في حيواتهم، وامتحاناتهم.

عدا واحدٍ منهم.

 

ذاكَ الشاب الذي سقط، لم يمت، فقط احتاج إلى الراحة، 

إحتاجَ إلى دقيقة.

فهو ملّ العمل، ملّ الفعل، ملّ الإرهاق، بلا مقابل.

دائمًا ينتظرُ أن يلقى المقابل، غيرَ أنه لا يأتي.

 

وبعد أن يأخذَ الدقيقة.

تعود إليه روحه، ويركضُ مجددا، لأن هذا ما يجب فعله.

 

لماذا؟

لأنه لم يكن محظوظًا كفاية، لينجحَ بينما يفعلُ اللاشيء.

لأنه لم يكن محظوظًا كفاية، ليصرفَ المال على نبيذٍ أبيض، بل استبدله بقهوة سوداء، يستريحُ بها لدقيقة، ويكملَ الركض.

لأنهُ لم يكن محظوظًا كفاية، ليتخرجَ من المدرسة، ويبحثُ له والده عن مكانٍ له في الشركة، ليورثها لاحقًا.

 

لأنه عليه الركض، حتى وإن ينال اللاشيء في المقابل، فطالما هناك دقيقة، هناكَ أمل، وطالما هناك أمل، فهناك مستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!