✍️ يوحنا عزمي
ما نعرفه هو أنه في مواقف الأزمات الدولية الخطيرة ، علي شاكلة أزمة حرب الإبادة الجماعية التي تدور في غزة ولا تبدو لها نهاية قريبة او واضحة ، فإن إدارتها لا بد وان تنطلق من تقدير شامل لموقف الأزمة بكل أبعاده ومعطياته وتشابكاته وعواقبه وتداعياته المحتملة وصولاً منها إلي إتخاذ القرارات المناسبة لإدارته بالدرجة القصوي الممكنة من العقلانية والواقعية.
وفي تقديرنا أنه في تقييمنا لموقف أزمة الحرب الإسرائيلية المستمرة علي غزة ، فإن تقييمنا له يجب ان ينطلق اولا من التساؤل الآتي :
أنه إذا كان قد تعذر التوافق علي صفقة يتم بموجبها إطلاق سراح الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين لدي حماس في إطار قائمة الشروط التي وضعتها حماس وصممت عليها ورفضتها إسرائيل ، فهل معني ذلك تعليق قضية هؤلاء الأسري والمحتجزين التي تجد إسرائيل فيها مبررها وذريعتها لإسالة كل هذه الشلالات من الدماء الفلسطينية وتدمير غزة تدميراً شاملا استطاع بالفعل إزالة الكثير من معالمها ، وهو ما يجري منذ اكثر من عام كامل في ظل عجز دولي وعربي وإسلامي تام عن التدخل لوقف هذه المجازر البشرية المروعة ، ودعم أمريكي لإسرائيل تجاوز كل الحدود منذ اليوم الأول لهذه الحرب ؟
وإذا كان من شروط حماس ان تنسحب إسرائيل من قطاع غزة وان يكون لها دور في إدارته بعد الحرب ، وفي رفع الحصار عنه والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إليه ، والتعهد بإعادة إعمار غزة ، الخ .
فإن إسرائيل بصلفها وعنادها وبغرور وغطرسة القوة التي تدير بها حربها علي غزة ، وبخططاتها التي تسعي إلي فصل غزة وعزلها وإزالة كل مصادر التهديد المحتمل منها لأمنها ، لن تستجيب لأي من تلك الشروط.
وهو ما يصل بالموقف بينهما إلي نهاية طريق مسدود او إلي نقطة اللا إتفاق او اللا حل وهو ما أعيا الوسطاء ودفع بعضهم إلي الإنسحاب ليأسه من الإستمرار في مثل هذه الإتصالات والوساطات الفاشلة والمضيعة للوقت بدون جدوي.
ثم يجيئ الرئيس الأمريكي المنتخب ليتوعد حماس اليوم بأقسي وافظع التهديدات وبأنهم إذا لم يطلقوا سراح الرهائن المحتجزين لديهم قبل العشرين من يناير المقبل ، فسوف يلحق بهم عقابا لا يتخيلوه ، بل وسوف يجعل الشرق الأوسط كله يدفع ثمنا باهظا فيه .. وقد يقصد من تهديده إقدامه علي ملاحقة قادة حماس وتصفيتهم في اي مكان وإدراجهم علي قوائم الإرهاب الدولي لاعتقالهم اينما كانوا ، وقد يكون في تخطيطه ايضا ضم الضفة الغربية لإسرائيل ، وعدم إعادة قطاع غزة إلي الفلسطينيين بتهجيرهم قسريا منه لاخلائه منهم ، والبحث لهم عن دول يمكنهم النزوح إليها ، الخ.
ويبقي شعب غزة وحده هو ضحية هذا كله ، فمصيره بات معلقا علي إتفاق بات مستحيلا لإطلاق سراح بضعة محتجزين قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين ، وأمريكا وراء إسرائيل حتي ولو ابادت شعب غزة كله ، وهو أمر لا يشغلها ولا يحرك ساكنا لديها فما يهمها هو أمن إسرائيل وسلامة شعبها أولا وأخيرا .. وليذهب الفلسطينيون وكل من يدعمونهم إلي الجحيم .. فما هو الحل؟.
وما هو المخرج للخروج بغزة وشعبها من هذا النفق المظلم في ظل علاقات وموازين قوة بين طرفي هذه الحرب غير متكافئة علي الإطلاق ؟.
وهل تظل إدارة حماس للأزمة علي هذا الحال من الجمود والتوقف وإهدار الوقت ، ام أنها يمكن ان تلقي إلي الإسرائيليين بمن تبقي لديها من رهائنهم لتنزع منهم حجتهم الواهية التي يتذرعون بها امام العالم في ابادتهم لشعب غزة المدني الأعزل ، ولتقدر ما سوف تكون عليه خطوتها التالية بعدها ؟.
وفي رأيي ان إنتظار حماس بلا اي تحرك إيجابي من جانبها حتي يأتي ترامب إلي البيت الأبيض ليفجر الزلزال الذي يهدد ويتوعد به سوف يكون كارثة الكوارث ، وخطأ فادح لن يسامحها شعبها عليه ولن تغتفره هي لنفسها. المرونة التكتيكية ليست دائما ضعفا وذلك لمن يفهم معناها علي حقيقته بعيداً عن التهويلات والمزايدات وتصور الأمور علي خلاف ما تتيحه ظروف الواقع.