✍️ يوحنا عزمي
وكأن القدر يأبى أن ينعم الوطن العربي بالسلام ، بل ومضيفاً إليه المزيد من الأوجاع والجراح ، فبعد عام من بدء القتال بين حماس وإسرائيل ، يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي ، والمستمر حتى يومنا هذا ، إذا بإسرائيل تفتح جبهة قتال عربية جديدة ، وتوجه ضرباتها لجنوب لبنان ، ضد قوات حزب الله ، وتمد قتالها لتدمير البنية الأساسية في لبنان ، قبل أن توقع معها معاهدة هشة لإيقاف النار.
وبعد أيام ، قليلة ، من بداية تنفيذها ، إذا بالمعارضة السورية تفاجئنا بالهجوم على مدينة حلب ، لتتساقط بعدها المدن السورية واحدة تلو الأخرى ، مثل قطع الدومينو ، حتى سقطت دمشق فجر يوم الأحد الثامن من ديسمبر ، عندما سيطرت عليها فصائل المعارضة بينما غادر بشار الأسد على طائرة ، علمنا لاحقاً ، أنها أقلته وعائلته إلى روسيا ، التي منحته حق اللجوء السياسي إليها.
وهكذا انتهى حكم أسرة الأسد بعد خمسة عقود من حكم سوريا.
وهنا ظهرت عدة أسئلة عمن سيحكم سوريا في الفترة الإنتقالية القادمة ؟ ومن هم أعضاء اللجنة التي ستُكلف بوضع دستور جديد للدولة السورية ؟ وما هو موقف السلطة الجديدة في سوريا من الأكراد ؟ وموقفهم من تواجد القوات الأمريكية داخل الأراضي السورية ، ومثلهم القوات الروسية الموجودة بها ، وأهمها القاعدة الجوية والبحرية ؟ وما موقفهم من قوات حزب الله الموجودة أيضاً داخل سوريا ؟
وسرعان ما جاءنا الرد على حكم سوريا ، بظهور محمد الجولاني أو أحمد الشرع ، في شوارع سوريا ، متجها إلى الجامع الأموي حيث ألقى خطبته ، وقد ظهر في مظهر جديد ، هذب فيه لحيته ، ونزع غطاء الرأس ، رمز المقاومة الإسلامية ، وارتدى ملابس القتال على شاكلة الرئيس الأوكراني زلينسكي في محاولة لتغيير صورته ، ونزع قناع الإرهاب ، واستبداله بقناع السياسة في شكله الغربي.
فماذا لو أصبح الجولاني هو الرئيس القادم لسوريا ؟
وكيف ستتعامل معه الحكومة الأمريكية ودول الغرب ؟
هذا الرجل الذي ترك دراسته في طب الأسنان ، وزامل أبو بكر البغدادي ، مؤسس تنظيم داعش الإرهابي ، الذي خرج من رحمه تنظيم جبهة النصرة ، الذي أسسه الجولاني ، ونفذ به العديد من العمليات الإرهابية ، حتى صنفته الولايات المتحدة “بالإرهابي الخطير”، ورصدت عشرة ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه. ولترسيخ صورته الجديدة ، وإقناع الخارج بها ، أسس الجولاني هيئة تحرير الشام ، بدلاً لجبهة النصرة.
أما على الصعيد الداخلي ، فبعدما كلف رئيس الوزراء السوري في عهد بشار الأسد ، وأعضاء حكومته ، بالاستمرار في إدارة دولاب العمل في سوريا ، وهو ما كان من شأنه ضمان الإستقرار النسبي في الأوضاع ، إذا به يتراجع عن ذلك بتكليف محمد البشير الذي كان معه من قبل في إدلب ، رئيساً للوزراء في الفترة الإنتقالية لحين إجراء الانتخابات.
إلا أن الجميع تساءل عن الأسلوب الذي سيتبعه محمد الجولاني مع الجيش السوري ، وإن ما كان سيتبع نفس النهج الإيراني في إنشاء الحرس الثوري السوري ، اعتماداً على الفصائل التي أوصلته إلى دمشق ، بما يضمن له الولاء الكامل حينئذ ، على عكس الجيوش التي تدين بالولاء لدولها ، أولاً وأخيراً.
أما فيما يخص إعداد دستوراً جديداً لسوريا ، فالقلق مستمر من تدخل جماعة الإخوان ، بصفة عامة ، للتأثير على صياغة الدستور وصبغه بصفة دينية متشددة ، لتتحول سوريا في المستقبل إلى إيران أخرى كالتي بدأها الخوميني ، عندما عاد من فرنسا بعد طرد شاه إيران.
وكعادتها ، استغلت إسرائيل إنهيار الجيش السوري ، لتتغول على السيادة السورية ، وتقتحم الجولان ، وتستولي على جبل الشيخ أهم المناطق الحيوية العازلة ، لتسيطر بالكامل على الجولان والتي كانت قد ضمتها من قبل ، بقرار من الكنيست، حظي باعتماد الرئيس الأمريكي ترامب ، خلال فترة ولايته السابقة.
وبما يتيحه الاستيلاء على جبل الشيخ ، من الاقتراب من دمشق فلا شك أن إسرائيل ترى في ذلك أحد أكبر مكاسبها منذ السابع من أكتوبر في العام الماضي.
ولم تكتف إسرائيل بذلك بالطبع ، بل توغلت لنحو 25 كيلومتر جنوب العاصمة دمشق ، وأعلنت خروجها من إتفاق فض الاشتباك مع سوريا عام 74 ، وفي نفس الوقت شنت قواتها الجوية أعنف غارات في تاريخها ، وصلت إلى 350 غارة جوية ، منذ سقوط الأسد ، قامت فيها بتدمير القوات الجوية السورية في كل المطارات وقضت على وسائل الدفاع الجوي ، والرادارات ، ليخرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدها ، مصرحاً بأن بلاده ستغير وجه الشرق الأوسط بشكل جذري.
أما عن شكل العلاقات مع الولايات المتحدة ، فتواردت بعض الأنباء عن احتمالات رفع أمريكا لأسم الجولاني من قوائم الإرهاب لشرعنة التعامل معه ، في ظل وجود قواتها في سوريا ، خاصة قاعدة التنف العسكرية.
ثم تجيء مشكلة الأكراد أو “قوات قسد” التي تدعمها الولايات المتحدة ، وإن كان سيُسمح لها بالدخول لسوريا ، أم ستعطى الضوء الأخضرر للانفصال ، والإتحاد مع أكراد العراق ، وتكوين دولة كردستان ، وهو ما ترفضه تركيا ، وعلى أساسه سيتحدد شكل علاقتها مع سوريا ، خاصة وأن المعلومات المتاحة حتى الآن ، تشير لمساعدة الجولاني في هجومه على دمشق ، بتزويده بالمدرعات والأسلحة ، لتصبح تركيا ، في الفترة القادمة ، الحليف الجديد لسوريا ..
ولكن يبقى السؤال عن قبول الجولاني لذلك ، بينما تحتل تركيا الشمال السوري بعمق 20 كيلومتر. ويبقى الإجابة عن شكل العلاقات مع روسيا ، ومصير القواعد الروسية ، في ضوء أوامر الجولاني بعدم الاقتراب من القوات أو القواعد الروسية هناك.
سيظل كل ما سبق ألغاماً حية في طريق محمد الجولاني
وسط ترقب العالم لآليات تعامله معها في الأيام القادمة