مقالات

ثورة المخلوق علي الخالق

✍️ يوحنا عزمي 

قد تظن ان ولع السينما الأمريكية بالترميز الديني مهما كان الفيلم مغرق بكل ما هو بعيد عن الدين هو امر مستحدث ، ولكن هذا الظن خاطئ ، فالسردية الدينية هي التي ـ في الأساس ـ أسست الغزو الأوروبي للقارة الأمريكية وتأسيس الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد نظر الغزاة الأوائل ، خاصة القادمين من إنجلترا او المجتمعات الإنجيلية إلى رحلتهم حيال القارة الجديدة وقتذاك ، بأنهم حجاج يغادرون مصرايم هرباً من فرعون إلى أرض الميعاد ، وان لهم حق ديني ووعد إلهي في الأرض الجديدة ، وان عليهم تطهيرها من اجناس أقل قيمة من ان تكون بشر او مؤمنين ، من أجل إقامة دولة الرب ، من أجل أورشليم الجديدة.

كل هذا القتل والإبادة على يد الإنجيليين والكاثوليك الأوروبيين بحق الشعوب والقبائل الأمريكية الأصلية ، جرى بديباجات دينية خالصة ، وهو امر يعترف به المؤرخين الأمريكان انفسهم ، منهم والتر ماكدوجال في كتابه “أرض الميعاد والدولة الصليبية : أمريكا في مواجهة العالم منذ 1776”

تبدل الأجندات واستمر الهوس ، والمرحلة الجديدة من أفلام مارفيل تصر على فكرة واحدة ، محاربة الإله الشرير والثورة عليه.

فيلم حراس المجرة الجزء الثالث يأتي كثالث فيلم في عالم مارفيل السينمائي الذى يحارب فيه ابطال مارفيل شرير لا ينتمي إلى الجنس البشري او اجناس فضائية – خيالية بالطبع – ولكن الشر هنا على يد “إله” او على أقل تقدير كائن فضائي متشبه بالإله وذلك بعد فيلمي :

Thor : Love and Thunder

Ant-Man and the Wasp : Quantumani

في الفيلم الجديد ، خاتمة ثلاثية حراس المجرة ، الشرير الإله ملقب بــ “المتحور الأعلى”، المتفرغ لإنتاج سلالات جديدة من المخلوقات يقوم بذلك بدون رحمة ، الكوكب الذي ينتهي دوره يتم تدميره ، السلاسة غير القابلة للتطور لا تذهب إلى الأرض الجديدة بل تحرق وتباد ، وكأنك أمام الرؤية النقدية السطحية والساذجة للملاحدة حيال الأقدار.

ثالث مجموعة من أبطال مارفيل على التوالي يحاربون إلهة شريرة او ساذجة او مغرقة بالسخرية وملذات الدنيا ، ولكن في حراس المجرة كان الأمر شديد المباشرة، فأن المخلوق قد ضجر وسئم من فاشية الخالق وجنونه وجنوحه وانانيته وكل جرائمه باسم الفضيلة.

هذا الخطاب الشيطاني موجود في الغرب ، موجود في أيدلوجيات شيوعية كما الحال مع أي أيديولوجيا شيطانية او شاذة.

حالة من نشر اعتيادية التطاول على الإله.

رفض الإله

شيطنة الإله

الثورة على الإله

هزيمة الإله

مقتل ومصرع الإله

نعلم ان الملحمة المقبلة من مارفيل هي حرب الأكوان الموازية ولكن على ما يبدو ان هذا هو الوعاء الروائي ، بينما داخل الأكوان الموازية ، سوف تكون الحرب بين المخلوقات والخالق، بين سلالات بشرية وفضائية وبين الآلهة الشريرة.

ومفهوم “الإله الشرير” هو فكرة موجودة في الغرب منذ الآلاف السنين ، ولكنها أفكار فلسفية لم تكن تنشر على العوام بهذا التكثيف الجاري منذ بدء تحول الأمركة إلى العولمة في سبعينات القرن العشرين.

كراهية او بغض الإله هي أيدولوجيا تتهم الله بأنه شرير ومخادع ودموي ، أيدولوجيا ظهرت في اسفار اليهود الخمس ، والتي كتبها اليهود في المنفى البابلي بعد اكثر من 500 عام من نزول التوراة وفى أفكار الحضارة اليونانية والرومانية ايضاً ، فهي أيدولوجيا قديمة.

وقد آمن بفكرة الإله الشرير او كراهية الإله العديد من المفكرين والسياسيين ، مثل الأديب الأمريكي مارك توين الذى يهوى السذج فيما يعرف بالعالم العربي بتقديسه ، رغم انه من اهم منظري فكرة الإبادة الثقافية للشعوب المستهدفة ، وهو الذى صمم وطرح أهم أفكار الإبادة الثقافية لشعوب أمريكا الأصليين.

رغم ان كارهي الإله لا يصنفون انفسهم علنياً بانهم ملاحدة او ينكرون وجود الإله ، ولكن ابسط تحليل لأفكارهم سوف يجعل الخبير في الايدولوجيات يفهم إنك أمام خطاب إلحادي بأمتياز ولكن في إطار رحلة محاربة فكرة وجود إله فأن كراهية الإله وشيطنته ونشر حالة الضجر من اديانه هي مرحلة انتقالية للوصول إلى الهدف الأسمى ، انكاره من الأساس والوصول إلى الحالة من العدمية وعدم الاكتراث.

حيث أشار الباحث السويسري الجليل الى ان كافة الأفكار الربوية والاناركية والنسوية والإنسانية الراديكالية (يقصد التطرف في ادعاء الإنسانية) قد نشأت على يد مفكرين يعتنقون ايدولوجيات كراهية الإله.

يشير المؤلف إلى ان كارهو الإله يستخدمون الحركة الإبداعية خاصة الروايات في نشر أفكارهم ، لأن العمل الروائي كعمل خيالي يوفر لهم حرية التنصل من نسب تلك الأفكار لهم بكل ما في ذلك من تبعات دينية او حتى قانونية.

اعتقد ان حديث بيرنارد شفايتزر يكاد يكون قد مر ولو مرة واحدة على الأقل في ذهن كل إنسان سوى ، ان تلك الايدولوجيات وتلك الأعمال الإبداعية ليس بريئة بالمرة ، بل هي ابنة تجديف وهرطقة وإلحاد وخلل نفسي وفكري وعقائدي.

الفارق هنا ان بيرنارد شفايتزر في كتابه المشار إليه قدم منهج أكاديمي كامل وشامل في كيفية استخراج تلك الايدولوجيات من تلك النصوص الأدبية والسينمائية والسياسية ، ليفسر لنا بيرنارد شفايتزر لماذا هنالك حالة من الشطط والخروج عن الفطرة السوية ومحاولة لكسر الايمان بالله ومحاربة الأديان بشكل او باخر في كل من يدعي أنه يناضل من أجل ايدولوجيات شريرة مثل الاناركية او الإنسانية او النسوية وما يماثلها في جعبة ايدولوجيات العولمة ورأس حربتها الصوابية السياسية.

ان كنت لا تؤمن بالمؤامرة ، فأعتقد أنه يجب عليك ان تفترض على اقل تقدير ان هنالك نوايا سيئة ، فلا يعقل ان تكون أمام فيلم سينمائي يتحدث عن مغامرة فضائية ومع ذلك تكون نصوصه محملة بكل هذه الايدولوجيات العبثية التي تحارب الفطرة السوية على طول الخط.

ولكن لماذا يريدون قتل الإله في نفوس البشر ؟

ان العولمة او قل شبكات المصالح التي تدير الغرب ، لا تريد للإنسان ان ينتمي إلى اى قيمة من اى نوع ، ان تكون القيمة الوحيدة هي اللذة المادية.

يجب إلغاء كل انتماء ..

الانتماء للوطن .. للأرض .. يجب ان يسود منطق اللادولة.

الانتماء للجندر .. إلغاء فكرة إنك رجل او انثي.

الانتماء الديني .. الديانة الإبراهيمية مرحلة انتقالية لمرحلة اللادين.

حتى الانتماء الرياضي او الفني يجب ان يتم تدميره عبر الاولتراسات الفنية والرياضية.

الانتماء الفكري .. الخصوصية الثقافية.

الحكومات المركزية .. الابداع الإنساني.

كل هذا يجب ان يتم نسفه تماماً .. ويتم كتابة تاريخ الإنسانية من جديد .. يجب ان يكون إنسان العولمة إنسان محايد تماماً فلا هو رجل او انثي ، ليس له دين .. او قيم .. او مرجعية فكرية او أخلاقية او ثقافية او حتى فنية او رياضية.

لا يحارب او يغضب او يثور او يغار على أي شيء .

الرجل قواد والست عاهرة .. والدياثة هي عنوان اللعبة من اجل الوصول إلى المدعرة العالمية.

عالم بلا دول .. فيدرالية عالمية بلا جيوش .. الحكومات مجرد عمدة لدي شبكات المصالح الغربية التي تلعب دور مجلس إدارة العالم.

والهدف إقتصادي بحت .. فلا هدف ديني خفي وراء تلك اللعبة ، فالتآمر على الأديان يسري على الدين المسيحي واليهودي قبل دين الإسلام.

والتآمر على القيم والمجتمع يجري على مجتمعات الغرب قبل الشرق.

هي إبادة شاملة للوعي الجمعي .. إبادة للإنسان.

هي معركة إنسانية في المقام الأول .. للدفاع عن الانسان قبل ان يكون دفاعاً عن الأديان والأخلاق والقيم والأسرة والرجل والمرأة والدولة الوطنية والجيوش الوطنية والقوميات والخصوصيات الثقافية والإبداع الإنساني عبر العصور.

هي معركة فرض على كل حر وشريف وانسان حقيقي في هذا الزمان.

ينتهي الفيلم بأن مركبة حراس المجرة تتحول إلى سفينة نوح التي تنقذ السلالات من شر وإجرام الإله الشرير الذى توعدهم بالطوفان وتركهم يغرقون ، هو الذى قرر حرق تلك السلالات لأنه شرير ، كما يؤمن كارهو الإله بان الله ترك اليهود يحترقون في المحرقة دون ان يقدم لهم يد العون لأنه شرير ، هو مبتكر الشر الذى يترك أبي وأمي وصديقك يموتون دون ان يقدم لهم يد العون ، وحينما يلفظ ستار لورد أنفاسه الأخيرة في الفضاء ، فأن الشرير التافه أدم ورلوك يتقدم الصفوف ويلمس ستار لورد بنفس لمسة الإله للإنسان الأول أدم في لوحة الخلق او لوحة خلق أدم ، وهى لوحة سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان ، تم رسمها عام 1511 ، وتجسد حسب الإنجيل القصة الواردة في سفر التكوين حين قام “الله الآب بنفخ الحياة في آدم”.. فلا يوجد مشهد إلا وبه برمجة عقلية ونفسية وعصبية من أجل الإساءة والاستهزاء بالله في كل العقائد الممكنة والمتاحة.

أجندة مارفيل هي أجندة كافة منصات نتفليكس وامازون وديزني وغيرها ، نحن أمام غزو ثقافي واعتي حروب الإبادة الثقافية، فقد أدرك الغرب ان الحروب التقليدية لن تجدي نفعاً ، لن تنتصر شبكات المصالح الغربية في الغرب قبل الشرق بالجيوش التقليدية ، بل ان الجيوش التقليدية في الغرب قبل الشرق أصبحت اما أدوات او عدو لتلك الشبكات وتلك الأجندات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!