ابداعاتخواطر

نسيت

سامية مصطفى عبدالفتاح.

كلما مرت بخاطري لحظة الفراق تذكرت أنني لم أبح بمكنون فؤادي كله، نسيت أني كنت أتساءل: بماذا يشعر المرء حيال فكرة الفراق ذاتها؟ كيف لشخص أنّ يُخلِّص تلك اللحظات بصمت مطبق؟ ماذا عن الكلمات التي تأبه الخروج؟

إلى أنِ اختبرتُ جميع الخواطر بنفسي، ذات يوم حدثني عن الفراق، لم أكن أعلم أنه وبتلك البساطة سيتخلى أول ما يتخلى عني، أنا التي لطالما حاربت لأجله؟! لكنه حدث، أقف في منتصف الطريق أتلفت يُمنه ويُسرى أبحث عن ملجأ؛ لكني لا أرى سوى العدم.

لا أنكر هشاشتي كالرخْوِ، ليلتها كلما زارني النوم أفجعتني النكبة تطرده أشدّ الطرد، إنقطع عني النوم وداهتمني الذكريات تحرق ترائبي وتدهسها مُعلنة عن اشتعالٍ ذاتيّ لن يخمد إلا بالثأر؛ لكن أيُّ ثأرٍ وأنا المُدان الأول؟

الليالي العثرة التي نقضيها بين الألم مستوحشين الوحدة والجدران التي لطالما شهدت على معاركنا كافة، علمتنا أننا مدانون في حق أنفسنا منذ البداية، الله يبعث لنا الإشارات، يرسم لنا معالم النهاية المتوقعة؛ لكننا نأبه التصديق فنتخدَّر من باطننا لأخمصِنا فقط لنستلذ بالسعادة الواهية.

من منَّا لم يعش تلك التجربة، فراق الأحبة والأصدقاء، منا من يعلق أخطاءه مشاجب لعقد النقص والحرمان ويتخذها سبيلًا نحو الانتقام والأوهام، ومنَّا من يصارع فقط من أجل اختلاس فرصته التي نسي عددها في الحياة.

اليوم أتعرض لنوبة هازئة تنهر قوتي؛ لكنني قد تلقَّنتُ درسًا عتيدًا، في اللحظات الأخيرة لا نملك سوى التمسك والترجِّي في أطراف مموهة، هناك خيطٌ رفيع فاصل وهو البوح بالمكنون، أُفرغ بقايا الحديث مادامت كل السُبل تفضي إلى نفس الجهة، درسي كان قويًا بما يكفي ليعلمني أنّ الحياة رقعة شطرنج وأنا لم أكن الملك فيها لذا عليّا المحاربة من أجل الفوز، ومن أجليّ تعلمت ألا أدفن داخلي حديثًا وكلما نسيت تذكرت وكلما تذكرت سرعان ما أنسى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!