آية عبده أحمد
هذه المرة مختلفة، بل استثنائية للغاية، حدث ذلك وسط دهشة الجميع، ومن بين كل تلك الحشود لقد ظهر ثائر!، لكن الغريب في الأمر أنه كان “النيل”، ويتساءل العالم:
كيف استطاعت مياه نهر أن تُقيم ثورة؟
تحوّل ملتقى العُشّاق وحافظ وعودهم، والمستمع الجيّد للحيارى والسعداء والأشقياء، ذلك الذي خبّأ بداخله الكثير من الأسرار، لقد فاض من قبل، إلا أنه لم يسبق له التمرّد بهذه الطريقة، لقد تغيّر كثيرًا، لطالما كان وديعًا وهادئًا، واليوم أخذ دور المنتقم والثائر المتمرّد بجدارة.
في إحدى مِحن أرض السُّمُر فاض واتسعت رقعته؛ محاولًا أن يُربّت على أكتاف الجميع، وأن يطفئ نار الظلم الذي تجرّعوه قسرًا، والبعض أجزموا بأنهم سمعوا صوت أنينه، أما الأطفال فقالوا:
يبدوا أن النيل يبكي معنا، فهو حزينٌ مثلنا أيضًا.
لقد تضاعف حجم الظلم، وتوالت المصائب في هذه البلاد، ورُسِم الشقاء في ملامح ذاك الشعب بعناية، وسيطر الوهن عليهم، ونال الحزن منهم مرات كثيرة، إلا أن كل هذا لم يمنعهم من انتظار معجزة تغير كل شيء، ومَن كان يتخيّل أن تحطّم المياه جبروت الطُّغاة، كما حدث في الطوفان العظيم.
امتدّت يد النيل بعيدًا للغاية، وأخذت بثأر أبنائها، فصمت العالم كله لوهلة، وكان صوت الكثير من الثُّوّار مسموعًا، لكن دون وجود أشخاص، لقد فعلها النيل هذه المرة، تمرّد وحرّض وأخذ بثأره كاملًا، ثم عاد هادئًا وفي كامل أناقته التي تأسر القلوب طوعًا.