ابداعات

“تمثالٌ يدعي البراءة”

 

المهند إسلام 

 

“طالما أنهُ لم يعد جميلًا، فلم يعد نافعًا.” 

قالها خبيرُ الفن مشيرًا إلى تمثال “الأمير السعيد”،

الذي لم يصبح سوى حزينًا بعد مماته،

وتم جعله تمثالًا أعلى البلدة،

لينتقل من نعيمِ القصر والرفاهية إلى جحيم حياةِ العامة.

 

لا أتكلمُ بصفتي كاتبُ المقال،

قرأ تلك القصة ل”أوسكار وايلد” وأعجب بها،

بل أتكلمُ بصفتي أحدُ سكان البلدة، 

شاهدتُ من بعيد،

ورأيتُ كلّ ما حدث.

 

بداية بمجيء ذلك الطير متأخرًا عن أصدقاءه المتوجهين إلى مصر،

حتى انتهى به الأمرُ جثةٌ تحت قدمِ تمثالِ لم يعد جميلا، ولا نافعًا.

 

كانَ ذلك الطيرَ في بدايةِ الأمر معجبٌ بوردةُ قصبٍ؛ رشيقةُ وجميلة، مرحةُ ورائعة.

لكن تركها، لأنه علمَ أنهم لن يستطيعوا الإكمال هكذا، بينما لم تتحدث الوردة سوى مع الرياح،تتغازل معهم وتتحدث كثرةِ أهلها، علمَ أن فيها شرٌ له؛ لذا تركها ليذهب إلى مصر.

وفي طريقه رأى تمثالُ “الأمير السعيد”، واستظل بظله، حتى تبلل من دموعِ ذاك الأمير، ليسأله عن مصابه، فأخبره الأمير بكلِ وقاحة عن معاناة أهلِ بلدته. أجل وقاحة، ومن غيرِ إعتذارٍ أكمل، فيا سيدي الأمير، هناك بعضُ الأشياءِ لا يمكنك إخبارها للغرباء، فليسَ كلّ الغرباء راحلون كما تظن، وليس كلّ غريب سيدفنُ أسرارك.

حالفك الخظّ مع هذا الطير ربما.

 

لأكمل،

طلبَ الأميرُ من ذاك الطيرِ البقاء، وعلم الطيرُ في بقاءهِ شرًا، غيرَ أنه هذه المرة بقي رغم علمه.

بقي إيمانًا بقلبِ ذاك الأميرُ الطيب، الذي ادعى أهل البلدة أنه سعيد، بينما ينحبُ يوميًا لرؤيته لمصاب البلدةِ خارجُ أسوار القصر.

 

كانَ الأميرُ طماعًا، من أول القصة لآخرها، لن يغير أحدٌ هذا الرأي الخاص بي، وخاص بي وحدي على ما أظن.

ظنّ الطير أنه ببقاءه وفعل الخير مع تمثالِ أن الخير سيدفئه!

لا يا عزيزي، تحتاجُ أن تعيد نظرتك، بقاؤك جعل منكَ جثة.

لم تفكر في الأمر جيدًا فأصبحت مجرد جثةُ طيرِ.

كان الأميرُ طماعًا لأنهُ طلب من الطير البقاء، عالمًا بمصيره في الشتاء القادم إن بقى.

كان طماعًا لأنه فكر في الجميع عدا الطير الذي يساعده.

كان الأمير يضحي بجواهره، عينيه التي من الياقوت الأزرق، وعلى مقبضِ سيفه حجر الياقوت الأحمر.

ضحى بكل شيء من أجل شعبه، ولم يضحي بشعبه من أجلِ الطير، الذي كان سببُ سعادةِ شعب أمير سعيدٍ ميت.

أليسَ هذا طمعًا؟

أن تفكر في الجميع، ساهيًا عن أكثر شخصٍ يفكر فيك؟

ترك الطير أهله، موطنه، سفره، ليجعلَ الأميرُ الحزين سعيدًا كما كان، بينما لم يجني من ذلك غيرَ الموت.

 

معروف عن القصةِ خلوها من الأشرار،

غيرَ أنهم لم يلاحظوا أنه لم يكن لذاك التمثال،

“الأمير السعيد”،

قلبًا منذُ البداية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!