ابداعاتخواطر

عند المساء

آية عبده

 

  أُعيد شريط الأحداث الأخيرة، فترتجف أوصالي، وتغالبني دموعي بقلة حيلة، عزائي الوحيد هو الحروف، وحدها الكلمات تشفي غليلي، تُهدّئ من روعي.

 كما أنها تحتويني كأُمّ وأنا ابنتها الوحيدة، تعرفني جيدًا حين أكون مهزومة، وعندما أكون سعيدة، تفهمني من ملامح وجهي، ورجفة يدي، وبعثرة كلماتي، والكثير من التفاصيل التي تعيها كتاباتي فقط.

كمفعول المخدّر تجعلني أهدأ، بسببها أجدني أتناسى الكوارث والحزن والظلم، فتجعلني طوعًا أُصارحها بكل ما يخالجني، ويسيطر عليّ شعور الأمان عند حضرتها.

أركض نحوها دائمًا منذ نعومة أظافري، وإذا صدّتني، أكون حينها فقط في انتظار أن تُشرق الشمس مجددًا؛ لأنعَم بها، وتأتيني كعادتها بدلال متنافٍ تمامًا مع الموقف، إلا أنه يليق بها.

 في كل جلسة معها تُخلَق لي أجنحة، فأُزاحم العصافير في الأعالي، وتارة أخرى حينما أذهب إليها باكية، تُرَبّت على كتفي بطريقة لطيفة، فأعود طفلة، ثم أبتسم وأمسح دموعي.

في محاولة تهدأة تنهيداتي الحزينة، بعد أن تناغمت مع ابتسامتي بسلاسة، دقائق معدودة وتتعالى ضحكاتي، معلنة انتصارها عليّ، وعلى جميع أحزاني، وكل ما يكدّر صفوي، فأروِي ظمئي بالحروف، ولا أستطيع الصيام عنها طويلًا.

  تشابهت الكتابة والبحر كثيرًا، ربما لأنني أحب البحر؛ أُشبّه كل الأشياء التي أحبها به، لكن هي تستحق، فكلما حسبتُ أنني أغوص، أجدني قُرب السطح، كدتُ أن أؤمن بأنه لا قاع لها.

 في وصفها احتار الكُتّاب، وجلس الشعراء عاجزين عن احتواءها في قصائدهم، هي التي تفهمك دون أن تتكلم، تُمسِك بيدك لتذهب معها، فتُرافقها بلا سؤالٍ عن الوجهة، تستسلم لترقص روحك، وتتداعى كل الأشياء من حولك؛ لتكون لديك المساحة لصُنع عوالم أخرى كما تُحب.

 

هي بسيطة ومعقدة، رقيقة وخشنة، تجمع الكثير من المتناقضات، كوجهان مختلفان لعُملة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!