مقالات

خسرنا فلسطين يوم “أسلمة القضية”

✍️ يوحنا عزمي 

يتمتع المجتمع الفلسطيني بتنوع ديني وطائفي قريب مما نراه في المجتمعات الشامية مثل سوريا ولبنان ، فالمسلمين سُنة وشيعة ، والمسيحيين ارثوذكس وكاثوليك ، وعرقياً هناك تركمان ودروز وأرمن ، إضافة إلى الطائفة السامرية الإسرائيلية.

حينما بدأ الاستيطان الصهيوني لفلسطين عام 1882 عقب نجاح بريطانيا في غزو مصر ، نشأ ما نعرفه اليوم بـ “القضية الفلسطينية” كان خطاب مؤيدي الحق الفلسطيني هو الدفاع عن قضية فلسطين وليس “القدس إسلامية”.

صحيح ان الخطاب اتخذ مُنحني عروبي مع صعود القومية العربية ولكن حتى هذا الخطاب العروبي ، لم يسقط المسيحيين والدروز والتركمان والأرمن والسامريين من جعبة القضية الفلسطينية.

ان البُعد المسيحي للقضية الفلسطينية تحديداً في غاية الأهمية في ظل حقيقة ان كنيسة القيامة تهم العالم المسيحي بأسره حتى لو كانت تقع تحت سيطرة كنائس ارثوذكسية فأن باقي الكنائس المسيحية تهتم بهذا المكان ، الوعي المسيحي العالمي ان شأنا الدقة مرتبط بمهد المسيح بغض النظر عن اختلاف الكنائس.

وكان الفلسطينيين المسيحيين في طليعة من قاوم هذا الغزو الصهيوني ، كذلك السامريين والأرمن ، وكان الصوت الفلسطيني المسيحي قوياً عبر الزعيم جورج حبش ، ولم يكن طائفياً او عنصرياً ، كان قومياً بامتياز.

وكانت ميزة عدم تناول القضية الفلسطينية من منظار ديني أنها تجعلها قضية إنسانية في المقام الأول ، وهي كذلك بالفعل قضية شعب يتعرض للاستعمار والامبريالية الوحشية ، ولكن العدو في إطار لعبة فرق تسد ، وجد أن أسلمة القضية سوف تؤدى إلى خسائر جمة للقضية.

استبعاد التنوع عموماً والصوت المسيحي خصوصاً ، صاحب الثقل في الكنائس الغربية ، وإثارة النزعة الإسلامية المتطرفة داخل المجتمع الفلسطيني المحتل بما يجعل غير المسلم داخل المجتمع الفلسطيني يشعر بالغبن والإرهاب على يد فلسطيني مثله ما يؤدى إلى تسويف القضية الرئيسية.

كما ان تحويل الجانب الفلسطيني إلى جانب ديني لا قومي يعني اعترافاً بالجانب الديني للمستعمر الإسرائيلي ، وهو أمر سعى إليه الغرب منذ اللحظة الأولي حينما صنع دولة إسرائيل فتحويل الصراع إلى ديني وليس قومي او وطني ضد محتل امبريالي ، هو غرض غربي واسرائيلي في المقام الأول.

ويلاحظ أنه إسرائيل لم تستطيع إعلان مشروع القومية اليهودية في سنوات ما قبل أسلمة القضية ، ولكن مع تحويل القضية من فلسطينية ـ عربية إلى إسلامية على يد تنظيم إخوان فلسطين سواء حركة حماس او حركة الجهاد ، بات هذا الإعلان سهلاً.

والقضية الفلسطينية ليست قضية إسلامية ، بل هي قضية سياسية خالصة ، الإستعمار الغربي في إطار تقسيم المشرق وجد أنه يجب دق مسمار في قلب دفتي الإمبراطورية المصرية الكبرى من الشام إلى وادي النيل ، وحاولوا عبثاً في سنوات الحروب الصليبية إستغلال المسيحية السياسية في هذا المضمار ولما فشلوا أعادوا ترتيب الصفوف واخرجوا كارت اليهودية السياسية وكان ما كان.

هذا الصراع بين الغرب والشرق نشأ قبل الديانات الرئيسة الثلاث قبل ان يكون الإسلام هو الأكثر انتشارا في الشرق وان تصبح المسيحية هي الأكثر انتشاراً في الغرب ، ومصر تلعب دورها التاريخي في المنطقة والعالم من قبل ان تصبح محسوبة على العروبة والإسلام ، فقد ذهب رمسيس الثاني بجيشه ونفوذه إلى الأناضول ، وتحتمس الثالث إلى سوريا وفلسطين ، ورمسيس الثالث إلى شمال الجزيرة العربية ، وحتشبسوت إلى القرن الأفريقي وامنحوتب الثالث إلى لبنان ، وذلك حماية لتلك الدول او رداً على عدوان قادم منها ، فعلنا ذلك قبل نشأة الإسلام وقبل ظهور القومية العربية.

ان عبقرية أسلمة القضية الفلسطينية بكل أسف على يد الإسلام السياسي الذى صنعه الإستعمار الغربي بترحاب شديد من الصهيونية العالمية هو ان التراث الإسلامي يضم تأويلات لعلامات الساعة وواقعة الإسراء والمعراج بما يخدم الإدعاءات الصهيونية في أحقية اليهود في فلسطين اليوم ، وسابقاً حينما كانت شعوب الشرق اكثر تحضراً قبل صعود فاشية الإسلام السياسي وهرطقة القومية العربية وافيون اليسار العربي وثلاثتهم بكل أسف ذو مرجعية محافظة واحدة ، كان يمكن للمثقف العربي ان يكتب بكل أريحية حقائق تاريخية ترد على التراث الإسلامي واليهودي حيال فلسطين ولكن اليوم مع كل هذه الفانتازيا المتطرفة التي تلوكها الألسن أصبح مجرد الإشارة إلى حقائق التاريخ لا تعني إلا تكفير صاحبها وهدر دمه.

كما ان الإسلام السياسي يسقط حق المسيحي وغير المسلم عموماً في المشاركة بالمقاومة التي يجب ان تكون إسلامية فحسب ، وهكذا وعبر شرذمة من الدقون أسقط حق مئات الآلاف من أهل فلسطين في الدفاع عنها عسكرياً وسياسياً مقابل جوقة من المشعوذين يتم تمويلهم تارة من قطر وتارة من إيران وتارة من تركيا وجميعهم لا يفعلون إلا شيء إلا تنفيذ الأجندة الصهيونية او التنافس مع إسرائيل على تنفيذ نفس الأجندة.

في الواقع ان فلسطين فلسطينية فحسب ، فلسطين ليست عربية فشعبها ينتمي إلى قبائل فلستين وهم قبائل ليس لها علاقة بقبائل الجزيرة العربية ، وتاريخها واحقية شعبها وتنوعه أقدم من الإسلام حتى نقول فلسطين إسلامية.

والقدس ليست إسلامية فحسب ، فهي مسيحية ايضاً ، والمعركة لم تكن يومأ معركة أديان ، ولكن الغرب يريدها كذلك ، حتى يستمر التخلف والجهل في عقول الناس ويظنون ان الدين مهدد وينسون ان الأوطان يتم الدفاع عنها لأنها اوطانكم ومهدكم وليس لأنها دينكم.

هذه هي مكاسب الصهيونية والغرب من أسلمة القضية الفلسطينية : 

دس العنصرية والطائفية والإرهاب في المجتمع الفلسطيني. 

إسقاط حق غير المسلم في العمل السياسي والفدائي تحت مظلة القضية الفلسطينية.

إسقاط الصوت الفلسطيني المسيحي المسموع في أوروبا وأمريكا.

قطع الطريق أمام أي رد علمي تاريخي حقيقي على الإدعاءات اليهودية حول أحقية يهود اليوم في أرض فلسطين ومن سوف يقوم بالرد ليس الإرهاب اليهودي بل الإرهاب الإسلامي.

تولى القضية الفلسطينية تنظيم إسلامي إرهابي على إتصال بتنظيمات مثل داعش والقاعدة والنصرة والجهاد ما سهل وصم القضية الفلسطينية برمتها باعتبارها حفنة من الإرهابيين.

واخيراً .. تحقيق حلم الصهيونية والغرب في تحويل الصراع من سياسي ـ إقتصادي إلى صراع ديني ما يجعل عقول شعوب الشرق لا تنتبه إلى الأسباب الحقيقية للصراع وتتحرك بشكل خاطئ حياله طالما ظنت أنه صراع ديني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!