كيف صمد القيصر الروسي أمام عواصف الغرب ؟
✍️ يوحنا عزمي
بين قادة العالم الكبار ، يبقى اسم فلاديمير بوتين متفردًا بقدرته الاستثنائية على المناورة السياسية ، والتمسك الصلب بثوابته في أصعب اللحظات. الرجل الذي واجه وحده جبهة الغرب بقيادة حلف الناتو لم يتراجع قيد أنملة ، رغم أن الظروف الدولية والأوروبية بلغت ذروة التعقيد والحساسية. بوتين لم يسمح لا للاختراقات الغربية ولا للتصدعات الداخلية بأن تهز موقعه ، بل ظل حاضراً
في صميم المشهد ، ممسكًا بخيوط اللعبة بيدٍ وقراراته بيدٍ أخرى من اللحظة الأولى للحرب الأوكرانية وحتى الآن.
واجه بوتين خلال هذه الأزمة عداءً أمريكيًا صريحًا تحت إدارة الرئيس السابق جو بايدن ، الذي لم يدخر جهدًا في دعم أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، إلى حد كاد أن يدفع العالم نحو شفا حرب نووية. إلا أن بوتين أدار ظهره للانفعالات ، وترك الردود العنيفة لنائبه ديمتري ميدفيديف، ليبقي صورته كرجل الدولة البارد الأعصاب، القادر على امتصاص الضغوط من دون أن يفقد توازنه.
كانت هذه مناورة محسوبة ، أظهرت للعالم أن موسكو ليست خصمًا يمكن ابتزازه بالتهديدات.
ثم جاء دونالد ترامب ، ذلك الرئيس المختلف بنرجسيته وزهوه بنفسه ، ومعه فريق من الصقور المتشددين الذين أرادوا قلب السياسة الخارجية الأمريكية رأسًا على عقب. راهن ترامب علناً على أنه ، وحده ، قادر على إنهاء الأزمة الأوكرانية بمجرد دخوله البيت الأبيض ، لكن بوتين كان يعرف جيدًا أن نهاية هذه الحرب لن تُملى على موسكو من واشنطن أو كييف أو الناتو.
الحل النهائي ، في حسابات بوتين ، يجب أن يُكتب بشروط روسية، لأنه ببساطة بات أمرًا واقعًا لا يمكن تغييره مهما طال أمد القتال.
حتى اليوم ، ما زال الرئيس الروسي يدير حربه على طريقته الخاصة ، بما يجعل من الصعب قراءة نواياه أو توقع احتمالات النجاح أو الفشل، الاستمرار أو التوقف ، أو حتى المرونة أو التشدد.
بوتين ، ببساطة ، لاعب شطرنج سياسي من طراز نادر ، يحسب خطواته بدقة ويجعل خصومه يتخبطون في دوامة من الأسئلة دون إجابات.
والنتيجة؟ حتى اللحظة ، يبدو بوتين هو الرابح الأكبر في مشهد يراوح بين الحرب والسلام. أما ترامب، فلم ينجح في فرض اختراق سياسي كما وعد ، وأما زيلينسكي ، فقد وجد نفسه مكشوف الظهر بعدما بدأت واشنطن تنسحب خطوة تلو الأخرى، تاركة أوكرانيا وحيدة أمام الدب الروسي. الناتو الأوروبي ، من جانبه ، يغرق في تناقضاته الخاصة، بعد أن أنفق المليارات وفرغ مخازنه من السلاح، ليصل في النهاية إلى لحظة إحباط قاسية ، بينما تنشغل أمريكا في لملمة خسائرها.
إنها نكسة كبرى لأوروبا ، ودرس قاسٍ في إدارة الصراعات الدولية ، حيث تتشابك القوة مع الدبلوماسية ، وتُرسم ملامح المستقبل على قاعدة أساسية : السياسة الدولية هي دائمًا فن الممكن ، لا المستحيل. والسؤال الذي يبقى لنا : هل سنفهم نحن أيضًا هذا الدرس ونتعلمه؟