مقالات

كيف صنعت واشنطن خراب الشرق الأوسط واستنزفت ثرواته ؟

✍️ بقلم : يوحنا عزمي

بعد كل ما جرى في منطقتنا العربية من تدمير متعمد وإشعالٍ متكرر للصراعات والحروب ، يتبين جلياً أن الدور الأمريكي كان الأكثر تأثيراً وخطورة — ودلائل ذلك كثيرة وصوتها مدو.

هذه المؤامرة التي ألقت بظلالها على وطننا لم تكن عملاً منفردا لرئيسٍ واحد ، بل شاركها – بشكل أو بآخر – أربعة رؤساء أمريكيين متتاليين : جورج بوش الابن ، باراك أوباما ، دونالد ترامب ، وجو بايدن. هؤلاء الأربعة كانوا ، بحق ، عاملاً مركزياً في تأجيج أزمات استمرت لعقود ، وفي ظل إدارتهم شهدت دول عربية فترات تُعد من اسوأ ما عاصرت في تاريخها المعاصر.

لهذا السبب أقول لمن يزال يعلق آماله على “الدور الأمريكي” لاستعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط : أنتم تراهنون على وهم كبير.

فما يدعون أنه طريق للحماية والأمن لم يكن يوماً هدفا إستراتيجياً نبيلاً أو ثابتاً بالنسبة لواشنطن في منطقتنا ؛ بل كانت الحسابات الأمريكية تتجه دوما نحو تأمين مصالحها وورقها النفعي في مواجهة ما تعتبره تهديدات ، حتى لو تطلب ذلك زرع فوضى مؤقتة أو دعامات سياسية هشة تخدم أهدافاً بعيدة عن مصالح شعوبنا.

ومن هنا نفهم سبب الدور الأمريكي المتكرر في نشر العنف والتطرف والارهاب الديني ، وفي تأجيج النزاعات العرقية والطائفية ، وتعميق الانقسامات الداخلية – كل ذلك أدى إلى تفكيك مؤسسات الدول ، وإضعاف جيوشها الوطنية ، واستنزاف مواردها البشرية والاقتصادية ، وهدم مناعتها المجتمعية أمام محاولات الاختراق الخارجي عبر حملات دعائية وحروب نفسية ممنهجة.

الهدف لم يكن محاربة الإرهاب بقدر ما كان استخدامه كذريعة دائمة للتواجد العسكري والسياسي والاقتصادي في المنطقة.

بل إن حقيقة أكثر إيلامًا هي أن كثيراً من التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت منطقتنا – وعلى رأسها جماعات استغلتها المنطقة أكثر من غيرها – لم تنشأ من فراغ ؛ بل هي نتاج معقد من تحالفات وأدوات استخدمت سلحاً ودعماً ولوجستيات لصالح مصالح أكبر.

وبالطبع ، استخدام مثل هذه التنظيمات وامتداداتها أصبح ذريعة جاهزة لتبرير تمركز قواعد عسكرية ، وإدارة ملفات إقليمية عبر وصاية أمنية وسياسية منحت أطرافا خارجية قدرة غير متناسبة على التأثير في قرارات دول ذات سيادة – خصوصاً بعض دول الخليج التي دفعت ثمناً باهظاً من الأموال والهيبة مقابل وعود بالحماية أثبتت الأيام أنها كانت مشروطة ومجحفة.

الأمر هنا لا يتعلق بخصومة مع شعوب أو دول بعينها ؛ بل بخريطة مصالح دولية تتبدل ، وبآليات عمل استخدمتها واشنطن ببراعة تاريخية : التظاهر بالتحالف والود بينما تُدير سياساتها بعيدًا عن أعين الشركاء ، وتحتفظ دائماً “بصندوق أسود” من الأوراق والأسرار والقدرات التي يمكن استخدامها لحماية مصالحها في أي ظرف.

وهذه السياسة ليست حكراً على منطقتنا ؛ إنها منهجية تُطبق في مناطق أخرى من العالم أيضاً ، لكن تأثيرها علينا كان حاداً ودون هوادة.

لذا تبقى الخلاصة والنداء : على دولنا العربية أن تُدرك بمن تتعامل ، وأن تميز بين الشريك الحقيقي وبين الطرف الذي يستثمر الأمن كوسيلة للهيمنة. لا بد من مراجعة سياسات الاعتماد الخارجي ، وإعادة ترتيب المصالح الوطنية على قواعد أكثر وضوحاً واستقلالًا.

رسالتي هنا ، وأخص بها دول الخليج تحديدًا ، أن تتوقف عن دفع ثمن باهظ لقاء وعود لم تُقدم حماية حقيقية أو استقراراً دائماً ؛ فقد أخذت واشنطن منهم الكثير ولم تعط بالمقابل سوى التبعية والالتزام بسياسات تُقرأ لصالح حساباتها أولًا.

في النهاية ، من الواجب على قادة منطقتنا وقواعدهم الاجتماعية والسياسية أن يبنوا استراتيجيات أقوى قائمة على السيادة الوطنية ، والتعاون المتوازن مع القوى الدولية – لا على التبعية لها – وأن يعملوا على تأسيس شبكة علاقات متعددة الأطراف تضمن مصالحهم دون أن تبقي مفاتيح القرار الأساسية في يد غيرهم. فقط بهذه الرؤية يمكننا الخروج من حلقة التبعية والضياع التي عانينا منها طويلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!