✍️ بقلم : يوحنا عزمي
مقال رأي وتحليل استراتيجي ؛؛؛
الضربة الإسرائيلية التي نفذت في الدوحة قبل أيام ، والتي استهدفت قيادات أو عناصر لحركة حماس داخل العاصمة القطرية ، لم تكن مجرد عملية عسكرية معزولة ؛ بل هي تحول جيوسياسي جعل كثيرين يعيدون قراءة قواعد اللعبة في المنطقة.
الضربة هزت ثقة الدول الخليجية برعاية أميركا التقليدية ، وأثارت إدانة وغضباً عربياً سرعان ما أصبح له انعكاسات دبلوماسية فورية.
في هذا المناخ المتوتر ، من الطبيعي أن يتبادر سؤال إلى الذهن : ماذا لو فكرت إسرائيل في توسيع نطاق ضرباتها لتشمل أهدافًا داخل الأراضي المصرية؟
هذا السيناريو – وإن بدا في حالته القصوى نادراً ومجنوناً – يستحق التحليل لأن كل قرار من هذا النوع يحمل تبعات تتجاوز النوايا العسكرية إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية.
لماذا ضرب قطر يُغير المعادلات؟
لأن الدوحة ليست ساحة عسكرية صغيرة فقط ، بل مركز دبلوماسي وملاذ لوساطات دولية ؛ ضربها يعني انتهاكاً لسيادة دولة تستضيف محاور دولية ، وبالتالي يرفع سقف الانتقادات والدعوات للتحرك الدولي.
لأن الضربة على أراضي دولة ذات علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ودول خليجية تُغير حسابات الردع الإقليمي : دول الخليج شعرت بأن رعايتها ومصالحها لم تعد محمية بنفس القدر ، وهو ما ظهر في احتجاجات دبلوماسية وإدانة علنية.
أن التحرك الإسرائيلي خارج نطاق أراضيه يُعطي زخماً لمن يقول إن إسرائيل تتعامل الآن بمنطق «العمل الاستباقي» بلا احترام لضوابط سيادة الدول ، وما نتج عن ذلك من عواصف دبلوماسية قد تمتد آثارها إلى مسار العلاقات مع القاهرة وغيرها.
لماذا مصر مختلفة جوهرياً عن قطر؟
مقارنة سياسية وعسكرية بحتة توضح الفرق : مصر قوة إقليمية ذات جيش مؤسسي كبير ، حدود برية طويلة مع إسرائيل في سيناء ، موقع استراتيجي يتحكم بمضائق حرجة كقناة السويس ، ورصيد شعبي وقومي عربي يجعلها مركز ثقل لا يمكن تجاوزه دون تبعات غير متصورة.
أي ضرب لمصر لا يُعد مجرد عمل عسكري محدود بل إعلان نهاية لمرحلة من العلاقات السياسية – وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة واسعة.
ماذا سيكون أول رد فعل مصري تجاه معاهدة كامب ديفيد؟
أول رد فعل رسمي ومباشر من القاهرة في حال تعرضت لهجوم إسرائيلي على أراضيها أو على أهدافٍ مصرية هو اعتبار ذلك خرقاً فعلياً لمعاهدة السلام بين البلدين.
هذا الاعتبار له آثار قانونية وسياسية فورية من بينها :
إعلان مصر أنها أحلت نفسها من بعض أو كل الالتزامات الناشئة عن معاهدة كامب ديفيد ، بما في ذلك القيود المفروضة على التواجد العسكري في سيناء.
إغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة ، وطرد السفير ، وسحب السفير المصري من تل أبيب.
استخدام مصر للقنوات الدولية ( الأمم المتحدة ، الجامعة العربية ، منظمة التعاون الإسلامي) لتوثيق الانتهاك وكسب شرعية لأي رد قادم.
هذه الخطوات ليست مجرد إجراءات رمزية ؛ فهي تغير بصورة جذرية الإطار الذي عملت تحته العلاقات المصرية -الإسرائيلية منذ 1979.
السيناريو الكامل : الرد المصري خطوة بخطوة ( سياسي – عسكري – اقتصادي – شعبي – إقليمي – دولي)
أولاً : المرحلة الأولى – الرد السياسي والقانوني ( خلال الساعات الأولى إلى أيام )
بيان رئاسي واضح : إعلان أن مصر تعتبر معاهدة السلام قد انتهت جزئياً أو كلياً نتيجة للانتهاك ، مع تحديد بنود محددة تُعلق أو تُلغى.
استدعاء الوفود إلى القاهرة لعقد قمة عربية طارئة ، واستدعاء مجلس الأمن للاجتماع ، وتقديم ملف قانوني يوثق الاعتداء. هذه الخطوة تمنح القاهرة غطاءً شرعياً ودبلوماسياً لأي إجراءات لاحقة.
ثانياً : المرحلة الثانية – الإجراءات الدبلوماسية والإعلامية
قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وإجلاء الدبلوماسيين.
حملة إعلامية عربية ودولية تسوق لموقف مصر كمدافع عن السيادة العربية ، وتسخر شعبيتها الداخلية لتغطية أي إجراءات عسكرية أو لوجستية.
توثيق الضحايا والأضرار عبر منظمات دولية لمنع محاولات تبييض أي ضربة إسرائيلية لاحقة.
ثالثاً : المرحلة الثالثة – التحركات العسكرية التكتيكية ( أيام إلى أسابيع )
رفع الجاهزية في سيناء : نشر دبابات ووحدات مدرعة وقوات تدخل سريع ، ونشر منظومات دفاع جوي لتأمين المجال الجوي المصري.
تعزيز الرقابة البحرية في البحر الأحمر والبحر المتوسط ، وإعطاء أوامر مشددة بإغلاق أي ثغرات محتملة.
ضربات جوية/ صاروخية مضادة محتملة تستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية قريبة من الحدود أو بنى تحتية استراتيجية – كرسالة ردع أولية. (طبيعة الرد تعتمد على تقييم القيادة العسكرية المصرية ودرجة التصعيد).
رابعاً : المرحلة الرابعة – إجراءات اقتصادية واستراتيجية ( أسابيع إلى أشهر )
تعليق تجارة/ اتفاقيات محددة مع إسرائيل ، وقطع إمدادات الغاز أو إعادة توجيهها إن أمكن. هكذا خطوة تؤثر مباشرة على موارد إسرائيل من الطاقة وربما تفاوض بشأن عقوبات اقتصادية وسياسية.
استخدام قناة السويس كورقة ضغط غير مباشرة : إمكانية فرض قيود مؤقتة أو إجراءات تفتيش مشددة للسفن ذات صلات مباشرة بإسرائيل أو شركات حليفة لها (ستكون خطوة رمزية لها أثر سياسي واقتصادي).
تنسيق مع دول عربية داعمة (خاصة الخليجية) لتقديم مساعدات مالية ومؤازرة دبلوماسية لمصر في مواجهة أي ضغوط دولية.
خامساً : المرحلة الخامسة – الحراك الشعبي والإقليمي ( أيام إلى شهور )
تظاهرات حاشدة دعماً للجيش وللقرارات الحاسمة ، ما يمنح القيادة السياسية غطاء داخلياً.
تسريع وتوسيع التعاون العسكري بين مصر ودول عربية مؤيدة، وربما تفعيل مبادرة القوة العربية المشتركة أو إشراف عربي مباشر على بعض جهود الرد أو الحشد.
احتمالية دخول فصائل إقليمية (مثل حزب الله أو الفصائل الفلسطينية المسلحة) في مزيد من العمليات ضد إسرائيل ، مما يوسع جغرافيا الصراع.
سادساً : المرحلة السادسة – الانعكاسات الدولية ( أسابيع إلى شهور )
ضغوط دولية (من الولايات المتحدة وأوروبا) لاحتواء التصعيد — لكن هذه الضغوط ستواجه معضلة : إدانة إسرائيل قد تكون صعبة علناً في حال كانت الولايات المتحدة منخرطة سياسياً مع تل أبيب.
الدول الكبرى ستوازن بين حماية مصالحها (قناة السويس ، إمدادات الطاقة) وضرورة حفظ الاستقرار.
روسيا والصين قد تقدمان دعماً دبلوماسياً أو اقتصادياً لمصر كوسيلة لتعزيز موضعهما في المنطقة ، ما يعقد قدرات الولايات المتحدة على فرض حلول أحادية.
احتماليات النهاية : سيناريوهات متوقعة (ثلاثة مسارات)
الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة : تصعيد عسكري واسع بمشاركة فصائل مسلحة وإقفال مسارات الملاحة والضغط الاقتصادي ، وحالة طوارئ إقليمية.
تسوية مشروطة تحت ضغط دولي : تدخل وسطاء دوليين ( أميركا ، أمم متحدة ، قوى كبرى ) لاحتواء التصعيد مقابل تنازلات إسرائيلية وعودة تدريجية لآليات التهدئة.
تجميد الصراع مع تبعات استراتيجية طويلة الأمد : تعليق دائم لمعاهدة السلام وتحول العلاقات المصرية – الإسرائيلية إلى حالة عدائية باردة تمتد سنوات ، مع إعادة تسليح وتعبئة إقليمية طويلة المدى.
التفكير الإسرائيلي في ضرب مصر ليس مجرد مسألة حساب عسكري ؛ إنه اختبار لمنطق الردع الإقليمي والدولي. أي خطوة من هذا النوع تُغير قواعد اللعبة بشكل جذري : إنها لا تمثل مخاطرة عابرة تقتصر نتائجها على بضع ساعات ، بل احتمالًا لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار قد تمتد على سنوات.
من الناحية المصرية ، الانخراط في مواجهة من هذا النوع سيتطلب قراراً حاسماً مدعوماً بتحالفات إقليمية ودعم دولي قوي – أو التحول إلى مواجهة طويلة الأمد ستكون خسارتها الكبرى للعالم العربي بأسره.