مقالات

القمة العربية في الدوحة بين الخطابات القوية والغياب الفعلي للقرارات

✍️ يوحنا عزمي 

على مدار الساعات الماضية ، شهدت العاصمة القطرية الدوحة انعقاد القمة العربية – الإسلامية الطارئة في ظل ظروف استثنائية ، بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت أراضي قطر بشكل مباشر في محاولة للقضاء على قيادات حركة حماس.

كانت التوقعات كبيرة ، وكان الجميع يأمل في خطوات ملموسة لتفعيل الدفاع العربي المشترك ، وربما تشكيل قوة عربية موحدة تكون حائط صد ضد أي اعتداءات مستقبلية ، لكن الواقع جاء مختلفاً ، مخيباً للآمال في جوهره ومليئاً بالتفاصيل الدقيقة التي تستحق التأمل والتحليل.

تجمع في القاعات ما يقارب ٥٧ وفدًا من وزراء ورؤساء الدول العربية والإسلامية ، وسط شعور شعبي متزايد بأن هناك حاجة ملحة لاتخاذ قرارات حقيقية ، لكن الجامعة العربية أعلنت مسبقاً أن الظروف غير مواتية لمناقشة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ما كان بمثابة صفعة أولى لكل التطلعات ، وعكس ضعف القدرة على التحرك الجماعي تجاه التهديدات الإقليمية.

هذا التناقض بين التوقعات والواقع يثير تساؤلات جوهرية :

هل الدول العربية جاهزة فعلياً للوقوف في مواجهة تهديدات استراتيجية ، أم أن البيانات الصورية ستظل مجرد التزام شكلي لا أكثر؟

رغم ذلك ، اتسمت الخطابات الافتتاحية بالتصعيد الكلامي ضد إسرائيل ، مع إدانة الاعتداءات ودعوة غير مباشرة لفرض عقوبات ، لكن من دون أي إجراءات ملموسة.

شهدت القمة كلمات لافتة من بعض الرؤساء ، مثل الرئيس السوري الذي ألقى أبيات شعرية مختصرة لكنها ذات مغزى ، والرئيس الإيراني الذي خاطب الحضور باللغة العربية ليؤكد على وحدة المسلمين.

لكن اللافت الأهم كان خطاب الرئيس المصري ، الذي اتخذ لهجة غير مسبوقة ، واصفاً إسرائيل بـ “العدو” لأول مرة منذ اتفاقيات السلام ، وداعياً لوحدة عربية فعلية ، وتحذيراً صريحاً بأن السياسات العدوانية لإسرائيل تنسف أي أمل في استمرار الاتفاقيات الحالية.

هذا التصعيد ، وإن لم يتبعه قرارات عملية ، يُعد إشارة قوية للتغيير المحتمل في الإستراتيجية المصرية تجاه المنطقة ، ويطرح سؤالًا جوهرياً : هل ستجرؤ إسرائيل على مواجهة مصر بشكل مباشر بعد هذا التحول الكلامي ، أم ستظل العلاقات متوترة على المستوى الإعلامي فقط؟

ومع كل هذا ، انتهت القمة دون أي قرار ملموس على الأرض ، ليظل البيان الختامي مليئاً بالإدانة والشجب ، بينما تتباين المصالح السياسية بين الدول المشاركة ، مما يضع مصداقية القمة والتعاون العربي – الإسلامي على المحك.

هذه النتيجة تكشف فجوة كبيرة بين الخطاب السياسي القوي والرغبة الفعلية في اتخاذ خطوات عملية ، مما يفتح الباب لتساؤلات أعمق : هل العرب سيظلون مجرد متفرجين أمام التحديات التي تواجههم ، أم أن هناك فرصة لإعادة صياغة إستراتيجية جماعية حقيقية؟

وفي الوقت ذاته ، على الناحية الأخرى من المعادلة ، كانت إسرائيل تستعرض قوتها أمام أكبر وفد أمريكي يزورها في تاريخها ، مؤلف من ٢٥٠عضواً من الكونجرس، في مشهد يوضح الفجوة بين الأداء العربي والموقف الغربي – الإسرائيلي.

في خطاب مطول ، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن “الملحمة الكبرى” التي تخوضها إسرائيل ضد ما وصفه بمحور الشر ، مستعرضاً الانتصارات العسكرية المزعومة في سوريا ولبنان وضرب إيران ، معتمداً بشكل مباشر على الدعم الأمريكي ، ومحولًا الصراع الإقليمي لقضية إستراتيجية عالمية تحمي الغرب برمته.

هذا الخطاب لم يركز فقط على الجانب العسكري ، بل شمل أيضاً استعراضاً لـ “قوة إسرائيل الناعمة” في التكنولوجيا والصناعة والعلوم ، محاولًا تقديم بلاده كعنصر أساسي لحماية الحضارة الغربية ، بينما تقوض أي موقف عربي موحد.

المقارنة بين الخطاب العربي والخطاب الإسرائيلي تبرز سؤالاً مهماً :

هل القمة العربية ستظل مجرد منصة للبيانات الرمزية ، بينما يواصل الكيان الصهيوني وبدعم أمريكي تنفيذ استراتيجياته الميدانية والإعلامية بحرية كاملة؟

وهل من الممكن أن تؤدي هذه الفجوة بين الكلام والأفعال إلى تغييرات جوهرية في موازين القوى الإقليمية؟

ختاماً ، ما حدث في الدوحة يعكس واقعاً مؤلماً : العرب مجتمعون ، لكنهم غير قادرين على اتخاذ قرارات فعلية ، بينما إسرائيل ، بدعم أمريكي مباشر ، تستعرض قوتها بكل أبعادها.

هذا الواقع يطرح أسئلة حقيقية حول مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط ، حول قدرة الدول العربية على التحرك الجماعي ، وحول مدى جدوى القمم العربية إذا كانت مجرد منصة للشجب والإدانة دون خطوات ملموسة. الوقت يمضي ، والتحديات تتفاقم ، ويظل السؤال الأبرز : إلى متى سيظل العرب متفرجين أمام الأحداث التي تهدد أمنهم واستقرار منطقتهم ، ومتى سيأتي اليوم الذي يتحول فيه الكلام القوي إلى فعل حقيقي على الأرض؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!