✍️ يوحنا عزمي
بدأت مؤشرات ما يشبه مقدمات حرب إسرائيلية وشيكة على لبنان تظهر بوضوح ، هذه المرة بمباركة أمريكية لا تخفى ، وبهدف معلن هو كبح ما تُصر تل أبيب وواشنطن على وصفه “تنامياً خطيراً” في قدرات حزب الله ، إلى حد أصبح ـ بحسب كلامهم ـ يشكل تهديدًا حقيقياً لأمن إسرائيل.
التصعيد لم يأت بمحض الصدفة ، بل بدا كقطعة مُحضرة ضمن سيناريو متفق عليه بين الطرفين لإحداث مناخ احتدامي يلهي الرأي العام الدولي والإقليمي عن ملفات أخرى ، وعلى رأسها خطة ترامب في غزة ؛ بحيث تُحول ساحة الاهتمام إلى لبنان، لتتسع رقعة العنف لاحقاً وتضم كلا المسرحين : غزة ولبنان.
الضغوط المكثفة الآن على رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانية لم تأتِ فقط كحكم أخلاقي أو شعور بالاستياء ؛ هي جزء من حملة إعلامية وسياسية منسقة تهدف إلى تصوير الدولة اللبنانية عاجزة ومقصرة في مواجهة سلاح حزب الله ، وبتلك الصورة تُسوق الفكرة القائلة إن الزمن قد نفد وأن إسرائيل مضطرة لأن تتدخل وتُنجز ما فشل الوكلاء المحليون في إنجازه ـ وبالقوة إذا لزم الأمر.
التصعيد الكلامي هذا يتماهى مع استعدادات ميدانية لا يمكن تجاهلها : إذ بعد فترة من التهدئة الجزئية ووقف إطلاق نار مؤقت في غزة ، قد يكون الجيش الإسرائيلي قد استراح قليلاً ليجمع قواه ويعيد ترتيب أوراقه ، ومن ثم يندفع مجددًا عبر حملة رئيسية تُسلط فيها ضربات شاملة ضد ما يُصنف على أنه امتداد أو مظاهر نفوذ لحزب الله في مختلف أنحاء لبنان ، وليس فقط في الجنوب التقليدي.
النتيجة المتوقعة ، إن ما أتصوره صحيح ، ستكون موجة دمار واسعة النطاق ، ربما مذهلة في حجمها وتأثيرها ؛ إذ إن منطق العمليات الإسرائيلية في ممارسات سابقة يُظهر اعتمادها على ضروب “التحجيم الشامل” للهدف العسكري بتكلفة مدنية وبنية تحتية باهظة.
وتكاد كل الذرائع جاهزة : فشل الدولة اللبنانية ، حاجة إسرائيل لـ”تحييد التهديد”، وضرورة حماية مواطنيها ؛ وهي ذرائع تُروج لها وسائل الإعلام والسياسة بطريقة تقنية ومُتقنة. وفي الخلفية ، ثمن هذه المغامرة ستحمله المنطقة والمجتمعان اللبناني والفلسطيني ، مع فاتورة إعمار هائلة لا تقل عن تلك التي طُرحت لغزة، وربما أبعد من قدرة الأطراف المحلية والدولية على تأمينها.
وبلا مبالغة ، سيناريو كهذا يضع المنطقة برمتها في مأزق غير مسبوق : اقتصادات منهارة أمام موجات نزوح ودمار، نقص في الموارد والتمويل لإعادة الإعمار ، وانهيار شبكات الخدمات الأساسية ، إضافة إلى تداعيات إنسانية وسياسية طويلة الأمد. وفي قلب هذه المعادلة يقف الدور الأمريكي والإسرائيلي ، اللذان يبدو أنهما اختارا هذه اللحظة لتطبيق خطة لهما في إعادة رسم موازين القوة في بيروت وما حولها. فإذا أُشنت هذه الحملة ، فلن تكون مجرد معركة حدودية أو فصلًا عابراً من العنف ، بل لحظة مفصلية ستعيد تشكيل خريطة المخاطر في الشرق الأوسط لعقود قادمة.




