مقالات

ترامب رئيساً لغزة .. تحليل المزاعم والأبعاد السياسية والإعلامية للبيان المزعوم

✍️ يوحنا عزمي 

في الأيام الأخيرة ، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي نص مثير للجدل يدعي أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أعلن نفسه رئيساً انتقالياً لقطاع غزة ضمن هيئة دولية جديدة تُدعى “مجلس السلام”، بمشاركة شخصيات دولية مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وأن هذه الخطوة تمثل نهاية فعلية لحرب غزة ولبداية مشروع تهجير منظم وتحويل القطاع إلى منطقة استثمار سياحي. كما أشار النص إلى تقسيم جديد محتمل للعالم العربي إلى 27 كيانًا بدلاً من 22 دولة.

هذا الادعاء الصادم يستدعي الوقوف أمامه بتمعن من جوانب متعددة : واقعية الطرح، السياق السياسي الراهن، الأهداف المحتملة من تسريب مثل هذه الروايات ، ومدى انسجامها مع الحقائق على الأرض.

أولاً : هل توجد هيئة دولية باسم “مجلس السلام” برئاسة ترامب؟

حتى تاريخ كتابة هذا المقال (سبتمبر 2025)، لا يوجد  أي إعلان رسمي أو موثوق من البيت الأبيض أو منظمات دولية عن تشكيل هيئة بهذا الاسم أو منح ترامب أي دور رسمي في إدارة قطاع غزة. بل إن ترامب لا يشغل حاليًا أي منصب رسمي داخل الحكومة الأميركية ، كما أن منصب “رئيس غزة” لا يوجد في أي إطار قانوني دولي أو أممي.

وعليه ، فإن الحديث عن “مجلس السلام” بزعامة ترامب يبدو أقرب إلى سيناريو خيالي أو إشاعة تم تضخيمها لأهداف معينة.

ثانياً : السياق السياسي – لماذا غزة الآن؟

تأتي هذه المزاعم بعد شهور من الحرب الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة ، والتي خلفت آلاف الشهداء والجرحى ، وأدت إلى دمار واسع في البنية التحتية. ورغم إعلان وقف إطلاق النار ، لا تزال الأوضاع في غزة متأزمة سياسياً وإنسانياً.

تزامن ذلك مع تحركات دولية ، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، للبحث عن حلول “غير تقليدية” للوضع الفلسطيني، تتضمن إعادة إعمار القطاع، وضمانات أمنية لإسرائيل ، وربما تغييرات في شكل الحكم داخل غزة.

لكن الحديث عن سيطرة أميركية مباشرة أو تعيين ترامب حاكماً فعليًا للقطاع هو طرح لا يمكن اعتباره واقعيا. فغزة ليست إقليماً أميركياً ولا تخضع لوصاية أممية حتى يتم تعيين رئيس أو مجلس إدارة دولي لها.

ثالثاً : ما علاقة توني بلير؟

توني بلير كان مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط (2007- 2015 ) وهي اللجنة التي ضمّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. وخلال فترة عمله ، حاول الدفع بمبادرات اقتصادية وإصلاحية في الأراضي الفلسطينية ، لكنه وُجّهت له انتقادات حادة من جانب الفلسطينيين بسبب انحيازه لإسرائيل وتجاهله لمطالب جوهرية تتعلق بإنهاء الاحتلال.

إذن ، ذكر اسم بلير في النص المزعوم ليس من فراغ ، بل يستحضر ذاكرة دوره السابق في ملف غزة والضفة الغربية. لكنه لا يشغل اليوم أي منصب رسمي مرتبط بالقضية الفلسطينية ، وبالتالي مجرد إقحامه مع ترامب يبدو محاولة لإضفاء “مصداقية تاريخية” على شائعة غير واقعية.

رابعاً : البعد الإعلامي والدعائي

انتشار مثل هذه المزاعم يعكس حرب الروايات التي ترافق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ففي ظل غياب أفق سياسي واضح ، تنشط غرف الأخبار الموجهة وحسابات السوشيال ميديا في بث روايات مثيرة تخلط بين الحقيقة والخيال.

البعض قد يهدف لإضعاف الثقة في أي مبادرات إعادة إعمار عبر تصويرها كمؤامرة لتهجير سكان غزة وتحويلها إلى “منطقة استثمارية”.

آخرون يوظفون اسم ترامب الذي يُثير جدلًا عالمياً دائماً ، لزيادة تداول القصة وإعطائها بعدًا صادماً.

كما أن الحديث عن “تقسيم 27 كيانًا عربيًا” يدخل في إطار الفزاعات السياسية التي تستخدم لترسيخ مخاوف الجماهير من مؤامرات تقسيمية شاملة.

خامساً : هل يمكن النظر للأمر كإنذار مبكر؟

رغم الطابع الإشاعي للنص، إلا أنه يعكس هواجس حقيقية : قلق فلسطيني مشروع من محاولات فرض ترتيبات دولية على القطاع دون مشاركة فعلية من أهله.

مخاوف من أن إعادة الإعمار قد تتحول إلى مشروع اقتصادي– أمني بغطاء دولي يهمش البعد الوطني.

وجود نمط عالمي لاستخدام “المجالس الدولية” كأداة لإدارة مناطق النزاع (ليبيا ، كوسوفو ، البوسنة)، ما يجعل الفكرة في نظر البعض ليست بعيدة تمامًا عن سوابق التاريخ.

القول إن ترامب أصبح “رئيساً لغزة” لا يتجاوز حدود الإشاعة السياسية التي تفتقر لأي سند قانوني أو واقعي. لكن تداولها بهذا الشكل الواسع يؤكد أن ملف غزة لا يزال ساحة مفتوحة أمام الدعاية ، والمخاوف ، وحروب المعلومات.

في النهاية ، تبقى الحقيقة الأساسية أن مستقبل غزة لن يُحسم إلا عبر إرادة شعبها ، وأن أي ترتيبات مفروضة من الخارج – سواء حملت أسماء ترامب أو بلير أو غيرهما – لن تملك الشرعية ولا الاستقرار ما لم تستند إلى قبول داخلي فلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!