رحمة خميس
كأنما هدأ ضجيج العالم ليضحى أكثر صفاءً في قلبي، بعدما أمسكتُ قلب العاصفة، تبدلت معها أصوات قلبي لصوت خرير الماء، ينكسر به سطوع الوهج، مع ريح باردة أنسمت عليّ بطلعها البهي، وصوتٍ مُغردٍ ينفرد وسط سماء البُعد الجديد لهذا العالم.
كيف له أن يمر بكل هذه السكينة والطمأنينة من دون أن يعصف به… إلا إن كان العاصفُ أنا؟
لم يكن الأمر وليد اللحظة، بل كان حصاد ليالٍ من العصف. كنتُ في قلب العاصفة، أبحث عن مخرج، عن منفذ، عن شيءٍ يخبرني أن كل هذا ليس عبثًا.
كنتُ أصرخ ولا يسمعني أحد، كنتُ أتخبط بين أمواج الغضب والخوف والخذلان، حتى أيقنتُ أن العاصفة لن تهدأ إلا حين أقرر أنا أن أكون الهدوء ذاته.
في البدء، قاومت… كنتُ أظن أن المعارك لا تُخاض إلا بالضجيج، وأن الانتصار لا يكون إلا بوقع الخُطى الثقيلة على ساحة الحرب. لكن شيئًا فشيئًا، أدركتُ أن بعض الحروب تُربَح بالصمت، وأن أقوى الانتصارات هي التي لا تحتاج إلى ضجيج لتُعلن عن نفسها.
والآن، أقف على الضفة الأخرى، أتنفس الصمت كما لو كان أغنية، أترك للعالم صخبه بينما أعبر وحدي إلى حيث النقاء. لم تعد العاصفة تثير فيّ الرعب، لم يعد الصراخ يغويني بالمواجهة، لم يعد الغضب وقودًا لطريقي. بل أصبحتُ أنا الصمت، أنا النسيم العابر، أنا الماء الذي لا يقف في وجه الصخور، بل يمر من بينها، يشكلها دون أن ينكسر.
هل ترى؟
أنا لم أنجُ من العاصفة.
أنا صُنعت منها، ثم صغتُها سلامًا.
لم أرفع صوتي في الساحة العامة، ولم أنحدر إلى ما دون المستوى.
تركته حيث هو… وارتفعتُ حيث أنتمي.
هل ترى انتصاري بصمت؟