أحمد المقدم
في عرف العلاقات نبحث دوما عن الأمان والاحتواء، عن من يسمعنا دون ضجر و يدعمنا، عن من تغمرنا السعادة في وجوده، ولكن لكل ذلك ضريبة قد ندفعها يوما ما وهي أننا قد نضطر لحظة إلى الندم حيال الاقتراب أو السماح لأحدهم بالاقتراب وقد بدر منه خطأ قد لا يغتفر، ربما كان عن عمد أو عن جهالة، قد يضع ثقتنا في ذلك الشخص على المحك. وتضيق بنا الدنيا لحظة ونشعر أنه لم يعد هناك أمان بعد ما خاب ظننا في من كانوا يمثلون لنا الركن الحصين الذي كان يمكننا الاستقواء به والاستناد إليه دوما. وقد تأتي لحظة و تفترق الطرق ثم نعود فننسى فيحدث ما يحدث ثم نفترق ثم نعود وقد لا نعود إذ وجد أحدنا شخصا آخرا يعيد معه الكرة من إحساس بالأمان ثم خيبة أمل ثم الابتعاد ثم العودة ثم الابتعاد وهكذا.
تحدث الفيلسوف الألمانى آرثر شوبنهاور في القرن التاسع عشر عن ما يعرف بأزمة القنفذ Hedgehog Dilemma والتي يبين فيها تلك الأزمة العاطفية التي نقع فيها نحن البشر. حيث تعيش عواطفنا لحظات برودة قاسية فتصير معها كالقنافذ التي يأكلها برد الشتاء القارص فلا تجد مأوى سوى أن يتدثر أحدهم بقرينه فيؤلمه الشوك فيعود ادراجه سريعا من وقع الألم.
هكذا نحن البشر يؤذينا ذلك القرب المبالغ فيه حيث يؤذي بعضنا بعضا. إننا نقع فرائسا بين في براثن المثالية فنرتدى عدسات أفلاطونية لا نرى سوى أننا قد أوقعنا النصيب في أحد من هؤلاء الذين وصفهم الفارابي وقبله دانتى وأفلاطون باليطوبيين Utopians فتخدعنا المثالية حتى يباغتنا القدر بواقعية تكشف لنا مغبة سذاجتنا وسوء تقديرنا لمن نفضي إليه بسريراتنا. يكشف لنا خطأٌ قد ارتُكِب يقذفنا إلى واقعية ديكينز الفيكتورية فإذا بنا نعيش مأساة شعورية تجعلنا نعيش حيرة من أن نواصل الاتصال مع من آلمنا واقعهم الآدمي الذي جهلنا كنهه، ذلك الواقع الذي لا يخلو من ذنوب وآثام قد ترتكب في حق كل منَّا على الآخر. ولو كان شوبنهاور بين أظهرنا لانقلب على عقبه متفكها ومتهكما منا وقد صرنا كالقنافذ.
إذن فما الحيلة؟
محال أن يطيق أحدنا أن يحيا مثل روبنسون كروزو في برية يصادق فيها الطير والشجر. محال ألا نحب ونقع كفئران في شراك المثالية.
فلا سبيل لنا سوى أن نعيش في موطن الموضوعية. إننا في تلك المنطقة الرمادية لا نتخبط في ظلمة الوحدة ولا في ضوء يكشف خبيئة من سلمنا لهم قلوبنا فإذا بها وقد خالطها سواد خطاياهم الآدمية.
لا يجب بحال من الأحوال أن نحيل رمادية منطقة الأمان إلى بياض الحب أو سواد العزلة.
حريٌّ بنا حقا أن نحيا في مملكة العقل الذي يكشف لنا قبل أن تقيدنا مشاعر الارتباط. فإذا بنا نعرف كيف سيكون مصير هؤلاء من الاقتراب من قلوبنا.
إننا في تلك المنطقة نضع عقولنا حراسا على قلوبنا الرعناء اليافعة. فلا مجازفة بالسماح لهؤلاء للولوج إلى داخل قلوبنا حتى يحكم العقل في أمرهم. إن الحب الذي لا يتحكم بعقولنا فلا تتسرع بالثقة هو أعظم الحب. فالننصت لما قالته الكونتيسة الشكسبيرية حيث قالت: ” Love all, trust a few, do wrong to none”
الحب للجميع، الثقة في القليل، اما نحن فلا يليق بنا أن نؤذي أحدا. وهذا فقط يتحقق إن أوينا إلى لمنطقة الرمادية. تلك المنقطة التى ربما خبرها شوبنهاور فرآنا في ورطتنا التى قد جلبتها علينا مبالغاتنا، أو إن شئت قلت قلوبنا التى جعلتنا جميعا كالقنافذ.