المُهنّد إسلام
على طاولةٍ خشبيةٍ باردة،
في ركن مقهى نسيه الزمن،
جلسَ الهيكلُ العظميّ متكئًا،
منتظرًا،
يمسك بهاتفٍ لا ينبضُ بالحياة،
تنبعثُ منه إضاءةٌ خافتة،
كضوء أملٍ اقترب على الانطفاء،
يرتجفُ على عظام أصابعه،
كأنّه يلفظُ آخر أنفاس الرجاء.
كان هناك،
ينتظرُ بجانب الهاتف كأحمقٍ طيّب القلب،
كمن منح كلَّ شيء،
وفي المقابل، لقيَ الصمت.
لقى على مدار حياته وجوهًا كثيرة،
مكالماتٍ طويلة،
نكاتٍ غريبة،
وأحاديثَ عميقة،
ليالٍ اختُتمت بالضحك،
وصباحاتٍ بدأت بالدفء.
ثم…
رحل الجميع،
وتناثروا كأحاديثٍ لم تكتمل،
ولم يبقَ سوى صوتٍ واحد،
حُفرَ في قلبه كما تُحفَر الوصايا الأخيرة في يد المرتجف،
صوتٌ لم يكن الأعلى،
ولا الأقرب،
لكنّه كان الأوحد،
الذي اختفى عند الحاجة،
وغاب حين كان الحضور ضرورة.
مرّت الفصول،
وتبدّلت الوجوه،
وجاء غرباء،
ورحل أقرباء،
تزوّج الأحبّة،
وتصافى الأعداء،
تغيّرت الحكايات،
وانطفأت الأغنيات،
وتبدّلت المقاعد،
حتى المقهى… جدّد أثاثه.
كلُّ شيءٍ تحرّك إلى الأمام،
إلا هو،
ظلّ ثابتًا،
منتظرًا،
عالقًا بين نغمةٍ لن تأتِ،
ووجهٍ لن يمرّ.
وفي النهاية…
لم يتبقَّ منه شيء،
سوى عظامٍ تطيل البقاء،
وقلبٍ فقد النقاء،
وهاتفٍ سقط من بين أصابعه،
يعتذرُ عن أملٍ أوهمه.
وبين أنفاس الرجاء،
جلسَ الهيكلُ صامتًا،
ميتًا منذ زمن،
أما الآن…
فقد أُعلن عن وفاته،
وسقطت أمنياته،
وتحطّمت جميعُ آماله.