مقالات

مؤتمر نيويورك لحل الدولتين : صدام المواقف الدولية بين الإعتراف بدولة فلسطين ورفض إسرائيل وأميركا

✍️ يوحنا عزمي

اليوم 22 سبتمبر 2025 انعقدت في مقر الأمم المتحدة بنيويورك فعالية دولية رفيعة المستوى عنوانها «التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين».

المؤتمر جاء في «ظل أزمة» إقليمية حادة وعدد من التحركات الدبلوماسية المتسارعة (اعترافات متتالية من دول غربية ، خلافات كبيرة مع إسرائيل والولايات المتحدة حول جدول الأعمال) ، وكان محملاً برسائل متناقضة :

دعوات لوقف فوري للقتال والعودة إلى حل الدولتين ، مقابل رفض إسرائيلي صريح واعتراض أميركي علني من آليات المؤتمر.

المؤتمر نُظم بدعم من عدد من الدول الأعضاء وُصف لاحقاً في الأمم المتحدة بأنه محاولة لتجميع دعم دولي لقواعد تنفيذ حل الدولتين ، ومعالجة ملفات إنسانية وأمنية (إيقاف العنف ، إطلاق أسرى/ رهائن ، وقف التوسعات الاستيطانية ، إعادة بناء غزة وإصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية).

الولايات المتحدة وإسرائيل قاطعتا أشكالًا من المؤتمر أو أعلنتا موقف رفضي من صيغه وحجمه : واشنطن اعتبرت موعده ومقاربته «غير بناء» ورفضت دعم بعض البنود ، بينما إسرائيل أعلنت مقاطعات وانتقادات حادة لاعترافات بعض الدول الفلسطينية التي أعقبت المؤتمر.

في المقابل ، مجموعة واسعة من الدول الأوروبية والعربية ومجموعة دول أخرى شاركت في المؤتمر ، وأعلنت مواقف داعمة لحل الدولتين (مع اختلاف اللهجات : دعوة صريحة للاعتراف بدولة فلسطينية لدى بعض العواصم ، وتركيز على وقف فوري للحرب وإعادة البناء لدى أخرى).

ماذا قال كل طرف / كل دولة بارزة ؟

مصر – كلمة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نيابة عن الرئيس السيسي

مصر شاركت على أعلى مستوى : ترأس رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وفد القاهرة وألقى كلمة باسم مصر أمام المؤتمر ، مؤكداً على ضرورة وقف الأعمال القتالية وحماية المدنيين ، وعلى أن مصر ترى في حل الدولتين الطريق الوحيد لتحقيق سلام مستدام ، مع دعوة لدور مصري وإقليمي فاعل للتعاطي مع ملف غزة والحد من تبعات الحرب. مصر دعت إلى تنسيق دولي لإعادة إعمار غزة وضمان أمن إسرائيل عبر آليات دولية تضمن إنهاء التهديدات الممنهجة.

السلطة الفلسطينية – رئيس السلطة محمود عباس لم يتمكن من الحضور شخصياً بعد قيود وقرارات متداخلة بشأن تأشيرات ، عباس كرر تمسكه بحل الدولتين كخيار سلمي ، ورحب بالخطوات التي تتجه نحو الإعتراف بدولة فلسطين، وشدد على أنه لا بد من معالجة ملف الأمن ، وإطلاق سراح الرهائن ، واستكمال بناء مؤسسات دولة فلسطينية قادرة على الحكم.

الولايات المتحدة – موقف انتقادي وامتناع عن دعم الوثيقة الكاملة

الولايات المتحدة عبر بيان رسمي أبلغ رفضها لصيغة المؤتمر وبعض مبادراته ، ورأت أن بعض بنود الإعلان «غير بناءة» أو غير عملية ، وانتقدت آليات تُخرِج الولايات المتحدة عن البطاقة واعتبرتها محاولة لتهميش دور واشنطن كوسيط تاريخي. في الميدان العملي ، أعربت واشنطن عن تأييد لإنهاء العنف وحل تفاوضي ، لكنها رفضت بعض الإجراءات التي اعتبرتها تشجعًا على مكافأة ما اعتبرته أعمال عنيفة ، وراحت تُركز على مقاربة أمنية متوازنة تحفظ لإسرائيل حق الدفاع مع حثها على الحد من التوغل الاستيطاني.

الإتحاد الأوروبي ودول أوروبية (بريطانيا ، فرنسا ، النرويج ، البرتغال ، إلخ)

بريطانيا ، كندا ، أستراليا ، والبرتغال أعلنت خطوات اعتراف متزامنة/ متتالية بدولة فلسطين ( أو كشفت عن نوايا رسمية قوية للاعتراف) ، مع توضيحات سياسية تربط الإعتراف بدعم أكبر لمسار سلمي يُبعد سيطرة حماس ويؤمن ضمانات أمنية لإسرائيل. هذه التحركات أحدثت ارتداداً دبلوماسيا كبيرا وأدخلت انقسامًا حاداً مع إدارة واشنطن وبعض حلفائها.

فرنسا رحبت بالإعلان واعتبرته وسيلة لتقوية المسار الدولي نحو حل الدولتين ، مع دعوات لتعزيز مراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين.

النرويج وبلدان أوروبية أخرى ركزت على الدعوة لإطار آمن وممول لإعادة إعمار غزة ، وضرورة وقف الاستيطان كشرط للحفاظ على إمكان قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

السعودية والإمارات وبقية الدول العربية

السعودية شاركت بالدعوات إلى حل عادل قائم على حل الدولتين ، مع حرص على بلورة آليات أمنية تضمن إزالة تهديدات الإرهاب وتوضيح شروط إعادة دمج غزة ضمن نظام حكم مدني مؤسسي. السعودية سعت لتنسيق التحركات الدبلوماسية مع شركائها الأوروبيين.

الإمارات (مندوبها أشار إلى أهمية وقف الحرب فوراً لتجنب مزيد من الكارثة الإنسانية) أكدت على التوازن : دعم السلام والاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين مع الحفاظ على اتفاقيات الإقليمية التي تسعى لخفض التصعيد.

الإمارات أعربت عن انزعاجها من أي خطوات أحادية قد تقوض استقرار المنطقة أو الاتفاقات الإقليمية.

روسيا جددت دعمها الصريح لحل الدولتين كإطار لحل الأزمة، وناشدت المجتمع الدولي لتقديم ضمانات أمنية وسياسية ومالية للمرحلة الانتقالية، مع انتقاد لإجراءات عسكرية تُفاقم الأزمة الإنسانية.

دول آسيوية (سنغافورة وبلدان أخرى)

عدد من الدول الآسيوية والآسيوية – المحيط الهادئ شاركت بدعوات عملية : وقف التوسعات الاستيطانية ، تحميل الفاعلين المسؤولية ، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية.

سنغافورة على سبيل المثال دعت إلى تجميد سياسات الاستيطان والعمل نحو حل تفاوضي سريع.

إسرائيل – رفض جارٍ وبيانات شديدة اللهجة

إسرائيلياً ، رد مسؤولون كبار بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوفد الإسرائيلي الرسمي بردود نارية  على اعترافات بعض الدول بنشأة دولة فلسطينية، واعتبروا المؤتمر «أحادي الجانب» وهددوا باتخاذ خطوات رد فعلية في الضفة الغربية (توسعات/ ممارسات سيادية) إن استمر ما وصفوه بـ«الانعزالية ضد الحقائق الميدانية». إسرائيل عموما رفضت صيغاً من الإعلان وامتنعت عن المشاركة الرسمية في بعض جلساته.

وثيقة المؤتمر – «إعلان نيويورك» (الملفات والنتائج العملية)
الأمم المتحدة نشرت ملحقا بعنوان «Annex — New York Declaration on the Peaceful Settlement…» يتضمن بنوداً عامة تدعو إلى : تأييد حل الدولتين ، خطة مرحلية لإعادة إعمار غزة ، إطار لعودة اللاجئين/ التعامل مع أوضاعهم ، آليات لضمان عدم سيطرة منظمات مسلحة على الحكم مستقبلاً ، وتوصيات لإصلاح مؤسسات الأمن الفلسطيني وبناء إدارة مدنية قابلة للحياة.

بعض الدول وقعت أو أعلنت دعمها للوثيقة ، بينما رفضتها أو تحفظت عنها الولايات المتحدة وإسرائيل رسمياً.

القضايا الشائكة والاختلافات الجوهرية التي ظهرت في المؤتمر

المقاربة تجاه حماس والاعتراف بدولة فلسطينية : بعض الدول ربطت الاعتراف أو دعمه بشرط فصل حماس عن السلطة المدنية أو ضمان عدم سيطرة حركة مسلحة على  أي كيان دولة. دول أخرى اعتبرت أن الاعتراف بدولة فلسطينية هو لفتة دولية لإحياء تفاوض سياسي. هذه الفروق أوصلت إلى توترات بين من يريدون «مكافأة» خطوات دبلوماسية وبين من يعتبرون أن أي خطوة دون ضمانات أمنية خطيرة.

الملف الأمني والضمانات لإسرائيل : إسرائيل طالبت بإطار يضمن أن أي دولة فلسطينية مستقبلية لن تشكل تهديدًا عسكرياً، بينما البلدان الداعمة لحل الدولتين طالبت بتدابير دولية قوية ضد أي تهديد مستقبلي. هذا التباين بقي عائقاً تفاوضياً.

الشرط الزمني وإعادة الإعمار : هناك خلاف على آليات التمويل والرقابة الدولية لإعادة إعمار غزة ، وكيفية ربط منح المساعدات بإصلاحات في المؤسسات الفلسطينية  ومنع تحويل المساعدات إلى عناصر مسلحة.

الموقف الأميركي : رفض واشنطن لصيغة المؤتمر أدى إلى شرخ في الموقف الغربي وجعل تنفيذ أي بنود دون تفاهم أميركي أمراً صعباً سياسياً وعملياً.

تداعيات فورية متوقعة

دبلوماسياً : مزيد من الاعترافات بدولة فلسطين من دول أوروبية قد تتسارع أو تُعلق على قراراتها تبعا لتطور المشهد وتحركات واشنطن. ذلك سيزيد الضغوط على إسرائيل وقد يولد إجراءات ضدها دبلوماسياً.

ميدانياً : لا يتوقع أن يؤدي المؤتمر وحده إلى تهدئة فورية على الأرض ؛ إذ لا تزال الاختلافات الأمنية والسياسية عميقة ، والملفات الإنسانية ملحة. إذا لم تتبلور آليات تنفيذ قابلة للقياس – خاصة بخصوص وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن – فلن يتبدل الواقع الميداني سريعًا.

قانونياً وإدارياً : إعلان نيويورك قد يصبح سندًا سياسيا دولياً تُستشهد به الدول الداعمة لمطالبة فلسطين باعترافات وإجراءات سياسية لاحقة ؛ لكن فاعلية ذلك مرهون بتوافق دولي أشمل وبتوافر تمويل ومراقبة دوليين.

توصيف تحليلي قصير (من زاوية صحفية)

المؤتمر شكل محطة دولية مهمة تعكس تغيراً في جودة التحالفات والديناميكيات الدولية حول القضية الفلسطينية: تزايد ميل بعض الدول الأوروبية والأطراف الإقليمية للاقدام على خطوات رمزية وسياسية (اعترافات أو دعم علني) كرد فعل على حجم المعاناة في غزة وعلى ما يعتبرونه تقاعساً عن المسار التفاوضي.

في المقابل ، عزوف الولايات المتحدة وإسرائيل عن بعض مفردات المؤتمر وعناصره عمليًا يوضح أن الطريق إلى حل تفاوضي مستدام ما زال محفوفًا بعقبات استراتيجية وسيادية ، ولا يكفي إعلان أو مؤتمر واحد لتجاوزها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!