✍️ يوحنا عزمي
يخوض المشهد السياسي والإعلامي في الأيام الأخيرة موجة متصاعدة من التساؤلات حول احتمال جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء واحد ، وفي لحظة دولية شديدة الحساسية.
وبينما تبدو الفكرة في ظاهرها محاولة أمريكية لرسم مشهد جديد في الشرق الأوسط ، تكشف الصحافة العبرية – وتحديداً صحيفة يديعوت أحرونوت – عن ما هو أعمق بكثير من مجرد لقاء دبلوماسي بروتوكولي ، إذ تشير إلى أن القاهرة وضعت أمام تل أبيب ما يمكن وصفه بـ “قائمة شروط” غير مسبوقة ، دفعت الصحيفة للتساؤل بسخرية مرة :
هل ما يجري هو ابتزاز سياسي أم شطارة تفاوضية من العيار الثقيل؟
في خلفية هذا الجدل ، تظهر حالة إسرائيلية واضحة من السعي المحموم نحو أي شكل من أشكال الشرعية العربية التي يمكن استثمارها لإنقاذ صورة الحكومة الحالية في الداخل ، وخصوصاً في ظل الضغوط الدولية بعد أحداث غزة. غير أن التقرير العبري يؤكد أن القاهرة لم تُظهر أي استعجال ، بل على العكس تماماً ، بدت وكأنها تعرف جيداً مقدار الورقة التي تملكها ، فصاغت شروطاً وصفها الجانب الإسرائيلي بأنها “فلكية” و”خيال علمي”، لكنها – رغم ذلك – وضعت تل أبيب أمام ضرورة دراسة هذه المطالب ، حتى لا تفقد فرصة اللقاء الذي باتت تحتاجه أكثر مما تحتاجه مصر.
ومن أبرز النقاط التي فجرت نقاشاً داخلياً في إسرائيل ما كشفته الصحيفة عن صفقة غاز عملاقة من حقل “ليفياثان” بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار ، مقابل ضمان ما يقارب 20% من احتياجات مصر من الكهرباء خلال السنوات القادمة.
الشرط المصري ، وفق التسريبات ، طُرح كمدخل أساسي لأي ترتيبات تخص القمة المرتقبة في منتجع “مار إيه لاجو” مع نهاية الشهر. ورغم ضخامة الصفقة ، لا تبدو القاهرة في موقع العجلة ، بينما ترى إسرائيل في هذه المطالب محاولة لاقتناص مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الظرف الحرج الذي تعيشه الحكومة الإسرائيلية ، ما دفع جهات داخل تل أبيب للحديث عن أن مصر “تستغل” الوضع لتحقيق أقصى قدر من المكاسب.
لكن ما جعل المشهد أكثر توتراً، بحسب التقرير، ليس الشق الاقتصادي فحسب ، بل الشروط الأمنية المرتبطة بالميدان مباشرة. فقد أشارت مصادر مطلعة إلى أن القاهرة تطالب بانسحاب إسرائيلي واضح وصريح من محوري “فيلادلفيا” و”نتساريم”، وهو الأمر الذي يعتبره الإسرائيليون مساساً استراتيجياً بنقاط حساسة في سياساتهم العسكرية.
وتحدث مصدر سياسي داخل إسرائيل بحدة ، واصفاً هذه المطالب بأنها “جنون سياسي”، وأن قبول نتنياهو بها قبل حتى الدخول إلى غرفة الاجتماع سيكون بمثابة تقديم تنازلات مجانية لا يمكن تبريرها أمام المؤسسة الأمنية أو أمام الجمهور الإسرائيلي.
وفي موازاة هذه الاشتباكات السياسية ، يظهر خلاف داخلي جديد يقوده وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي يقف عقبة أمام الصفقة المقترحة مع مصر ، مطالباً أولاً بخفض أسعار الكهرباء للإسرائيليين قبل التفكير في أي توقيع مع القاهرة. هذا الاشتراط يزيد من تفكيك المشهد ويعقد الخطوات التي يسعى إليها نتنياهو ، الذي يبدو ـ حسب الصحيفة – الأكثر رغبة من بين الأطراف الثلاثة في عقد القمة ، حتى لو أدى ذلك إلى الظهور بمظهر “الطرف الأضعف” الساعي خلف اعتراف سياسي يمكن أن يرمم صورته المتآكلة.
وتخلص يديعوت أحرونوت إلى أن إسرائيل تجد نفسها في موقع غير مألوف : طرف يحتاج اللقاء أكثر مما يفرض شروطه ، بينما تبدو مصر في وضع تفاوضي مريح يسمح لها بتحديد السعر السياسي والاقتصادي لأي خطوة.
ومع إستمرار الترتيبات الأمريكية ومحاولة دفع الأطراف نحو الطاولة نفسها ، يبقى السؤال مفتوحاً : هل سيتمكن ترامب بالفعل من جمع السيسي ونتنياهو في هذا التوقيت وهذه الظروف، أم أن الشروط المصرية ستجعل القمة حدثاً قد لا يولد من الأساس؟




