ابداعات

“كاتب بلا ورق” 

لُجين سامح.

 

عزيزي دوستويفسكي.

 

تقول في روايتك الليالي البيضاء:”وعبثًا يبحث الحالم في رماد أحلامه القديمة، إنه يبحث عن ذلك الرماد على الأقل عن شرارة لينفخ فيها، عن نار جديدة ليدفئ قلبه البارد، ما يؤثر في الروح، ما يجعل الدم يغلي، ما يستدر الدموع من العيون ويخدع بصورة رائعة!”

أذكر أنني بقيت للحظات أحاول تجميع قلبي الذي تناثر قطعةً قطعةً مع كل كلمة، تلك هي عادتك الخبيثة، أن تشحذ سكينًا من الكلمات، وأن يصبح بشكل ما تلمًا، ينخر في الروح، بطريقةٍ مثالية.. لسجين حكم عليه بالإعدام

 

إن غاية رسالتي ليس شيء بعينه، بقدر ما أن تقرأني كما اقرأك تمامًا ..

 

دعنا نتجاوز ذلك الاقتباس اللعين، ونصل إليك، أتخيلك تجلس على الدرجِ في ليلةٍ ديسمبريّة، تفرك يديك، وتصنع شرارًا من كبريت صغير، ترتدي معطفًا أكله الزمن، جوربان طويلان، ممزقان من الجوار، وحذاء جنديّ بلا نعل..

 

اتخيلك، تنظر نحو السماء، وتجرّ الدموع على خديك لتصل إلى رقبتكَ وصدركَ المرتعد، وتحكي للجدران عن حلمك، عن الفتاة التي هجرتكَ.. ليس لأنك فقير تمامًا، بقدر تعاستك،

 

تحكي للفأر الصغير خلفك على الدرج بأنك راغب في القتل، قتلِ تلك العجوز اللعينة التي سرقتَ عمركَ عمدًا مقابل فتات الخبز

 

تحكي للنجم البعيد، عن الليلة البائسة التي كدت تموت فيها من البرد، والسجين الأحمق في الزنزانة المجاورة يشرب الجعّة ويبتسم

 

تحكي لي، ولمائة ألف قارئ، عن رجلٍ عاش في الجحيم، في بقعة صغيرة من العالم، يلملم قلبه الذي يتبعثر كل يوم على ذات الدرج..

 

تحكي لي، عبر قلمٍ وأوراقٍ رديئة مقابل روبل واحد- والذي اقترضته من سيدك في العمل الذي أخذ منك شخصيتكَ عنوة، بينما تنظر للنافذة، والمطر يتساقط على رأسك-لأن البناء آيل للسقوط-، إلى حبيبتكَ الصغيرة التي تقف في المقابل وهي تخيط لكَ جوربًا جديدًا-ليس لأنها تحبك، بل فقط تشفق عليك-.

 

تحكي، بينما اللهب يتساقط من عينيك على الورق، بينما الشرار في قلبكَ يلهبُ جسدكَ، فتخرجُ الحمّى على هيئة كلمة.. مقابل عشر روبلات للقصة الواحدة..

 

إنني يا عزيزي، أشفقُ عليك، أشفق على عمرك الذي قضيتهُ في السجن والآخر على الدرج، على كل ما جاش في نفسك، فسكبته على الورق، على كل من أردت قتله.. فقتلته في خيالك.

 

وأنا مثلك تمامًا، حالم يبحث في رماد أحلامه القديمة، ويساقط الشرار على الورق-أو دعني أقول الهاتف اللعين-، أنا مثلك تمامًا.. احكي للسماء، وللجدران، ولقظة صغيرة اقابلها على الدرج.. بخلاف أن جوربي ليس مثقوبًا، وأن نافذتي لا تطل على فتاة مثلك-أو دعنا نقول رجل-، بخلاف أنني أعيش .. وأنت قضيت حياتك باكرًا

أنا مثلك تمامًا، أكتب، وأنا أعلم يقينًا أنك لن تقرأ، لكن دعني أقول جنوني الخاص، هو ما يجعل فتاة مثلي، تكتب لرجلٍ صار شبح.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!