ابداعاتخواطر

وجه آخر للحقيقة: هل للألم وجه آخر؟

الشيماء أحمد عبد اللاه

في العادة، نرى الألم خصمًا لدودًا، عدوًا يجب علينا اجتنابه، كأنه سواد يتسلل إلى الروح ليطفئ أنوار الطمأنينة بداخلنا، نتهرب منه ونخشى قدومه، نتمنى أن تمضي الحياة خالية من وجعه.

لكن، ماذا لو نظرنا إلى الألم من زاوية أخرى؟ ماذا لو كان له وجهٌ خفي، لا نراه إلا إذا تحررنا من قوالب التفكير المعتادة؟

إن الألم في جوهره، ليس نهاية بل سيكون بداية، هو إنذار، ورسالة تحمل في طياتها يقظة من غفلة، أو دعوة إلى تغيير، أو بابًا إلى نضج لم يكن ليُفتح لولا هذة الطرقة المؤلم.

كم من ألمٍ أخرج من بين دموعه إنسانًا أقوى، وقلوبًا أرحم، وعقولًا أنضج؟ الألم يُرغمنا على التوقف، على التأمل، على إعادة الحسابات، فهل إذًا هو عدو أم مُعلّم؟

هناك من لا يكتبون أعذب شعرهن إلا من عمق جروحهن، ولا يرسمون أجمل لوحاتهم إلا من بقايا حزنهم، ولا يلامسون أعماق غيرهم إلا حين يُلامسون عمق أوجاعهم الخاصة، لولا الألم، ربما ما كانوا عرفوا أنفسهم، ولا أدركوا كم يسكنهم من طاقة على التحمّل، وكم فيهم من صبر وجَلد، أليس ذلك وجهًا آخر للنور في قلب تلك العتمة؟

الألم حين يأتي على هيئة فَقْد أو خذلان، يُجبرنا على إعادة ترتيب الأولويات، على التمييز بين من هو زائل، ومن باقي، يعلمنا أن لا شيء في هذه الحياة دائم، وأن التعلق بالأشياء والأشخاص دون وعي هو الوهم الأكبر، وهكذا هو يُطهّرنا بطريقته الخاصة، وإن كانت موجعة مميتة.

ثمّة وجوه كثيرة للحقيقة، لا تُرى إلا حين ننظر بعين القلب، لا بعين الخوف، ليس الهدف من مقالي هذا تمجيد الألم، بل استيعابه، وتفهّمه، وقراءته بشكل أعمق، فرُبّ تجربة موجعة تفتح بابًا للحكمة، وربّ دمعة ترسم ابتسامة لاحقة في ملامح جديدة للحياة.

إذًا فلنحرّر عقولنا، ولننظر إلى الألم وكل مشاعرنا، من زوايا لم نعتدها، فربما في قلب المعاناة، تكمن البذور الأولى للنهوض، وربما في وجه الألم، يسكن وجه آخر للحقيقة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!