✍️ يوحنا عزمي
في لحظة كانت كل التوقعات تشير إلى رد إيراني ساحق ومزلزل صُدم العالم بما حدث : إسرائيل تدخل الأجواء الإيرانية من كل الاتجاهات بأكثر من 200 مقاتلة وقاذفة ، لتجد المجال الجوي مفتوحًا بلا مقاومة ، بلا صاروخ مضاد ، بلا حتى إنذار. وهكذا بدأ الهجوم الجوي الأوسع في تاريخ المنطقة ، مستهدفًا المنشآت النووية الرئيسية ، منصات الصواريخ الباليستية ، مقار الجيش والحرس الثوري ، ومراكز القيادة والسيطرة ، وحتى الصف الأول من علماء البرنامج النووي الإيراني.
هجوم كاسح ، مذهل في دقته وسرعته وشموله ، دمر كل هذه الأهداف الحساسة في موجة واحدة خاطفة … دون أن تخسر إسرائيل طائرة واحدة.
إنه فشل عسكري إيراني غير مسبوق. ضربة موجعة كشفت هشاشة المنظومة الدفاعية الإيرانية ، وعجز المؤسسة العسكرية التي ظلت تتفاخر بها لعقود. ورغم أن الحديث يدور عن احتمال انضمام الولايات المتحدة لاحقًا لاستكمال الحملة ، إلا أن الأثر المدمر لما جرى حتى الآن قد يجعل إيران عاجزة عن تهديد إسرائيل لسنوات طويلة مقبلة.
ولم يتوقف الاختراق الإسرائيلي عند حدود الضربة الجوية فقط، بل امتد إلى الداخل الإيراني ذاته. إذ تتوالى التسريبات عن عمليات اغتيال موسعة نفذها الموساد بالتعاون مع عملاء محليين ، استهدفت قيادات بارزة في مواقع حساسة داخل البلاد.
نتائج هذه العمليات ، وفق ما تكشفه المصادر ، فاقت حتى أكثر التوقعات الإسرائيلية تفاؤلاً ، من حيث دقة المعلومات وعمق الاختراق الأمني.
لقد سقط القناع : إيران كانت تعيش تحت وطأة اختراق استخباراتي هائل ، رغم إنكار مسؤوليها المتواصل لهذه الحقيقة ، وتكذيبهم لما كانوا يصفونه بـ “الحرب النفسية الإسرائيلية”. لكن هذه المرة لم يعد هناك مجال للإنكار. المشهد انكشف ، والصدمة أصابت الداخل الإيراني قبل الخارج.
المثير للسخرية أن المسؤولين الإيرانيين ، في الحكومة والبرلمان والجيش ، يواصلون إطلاق تصريحات جوفاء لا تتناسب مع حجم الكارثة. يتحدثون عن “حق الرد في الوقت المناسب”، وعن “انتهاك إسرائيل للقانون الدولي”، وكأن هذه العبارات المكررة تكفي لمحو آثار الضربة ، أو استعادة ما خسرته إيران في ليلة واحدة.
كان المتوقع – بل المفروض – أن يصدر عن هؤلاء إعلان عن رد فوري ، موجع، بحجم الخطر الوجودي الذي يواجهونه. كان المنتظر أن يسمع العالم صوت الصواريخ الإيرانية تعبر الحدود ، لا أصوات الخطب والاتهامات الجوفاء.
لكن الصمت العسكري الإيراني حتى الآن ، وعجز طهران عن الرد، يثبت للعالم أن هذه الضربة كانت أشد وأوسع مما تخيل كثيرون، وأن إيران لم تكن مستعدة لها ، رغم كل سنوات التهديد والوعيد.
الأيام القادمة قد تكشف المزيد من المفاجآت ، لكن الحقيقة المؤلمة باتت واضحة : النظام الإيراني تلقى ضربة استراتيجية ساحقة ، قد تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط لعقود قادمة.
السيناريوهات المتوقعة لما بعد الضربة: ماذا ينتظر إيران والمنطقة؟
السؤال الآن : إلى أين تتجه إيران بعد هذا الزلزال العسكري والأمني الذي هزها في العمق؟ الخيارات أمام طهران محدودة ، وكلها محفوفة بالمخاطر.
1. الرد العسكري المباشر :
قد تحاول إيران حفظ ماء الوجه عبر هجوم صاروخي على أهداف إسرائيلية أو أمريكية في الخليج أو العراق أو سوريا ، لكنها تدرك أن أي رد متسرع قد يؤدي إلى تصعيد أوسع يُجهز على ما تبقى من قدراتها.
2. تصعيد عبر الوكلاء :
الخيار الأرجح أن تستخدم إيران أذرعها المسلحة – مثل حزب الله في لبنان ، الحوثيين في اليمن ، أو الميليشيات الشيعية في العراق – لشن هجمات ضد مصالح إسرائيلية وغربية ، لتفادي مواجهة مباشرة قد تكلفها المزيد.
3. اللجوء للمفاوضات :
في ظل هذه الهزيمة الثقيلة ، قد تجد طهران نفسها مجبرة على العودة لطاولة المفاوضات مع الغرب بشروط أسوأ كثيرًا مما كانت عليه قبل الضربة ، في محاولة لتخفيف الضغوط الدولية وتفادي انهيار داخلي محتمل.
4. انفجار داخلي:
لا يمكن استبعاد أن تؤدي هذه الكارثة إلى هزة داخلية في النظام الإيراني نفسه ، سواء عبر احتجاجات شعبية أو صراعات داخل دوائر السلطة ، خاصة بعد انكشاف الفشل العسكري والأمني بهذا الشكل الفاضح.
5. صمت ثقيل واستنزاف طويل الأمد :
أخطر السيناريوهات أن تختار إيران الصمت الظاهري ، مع إعادة بناء بطيئة ومكلفة لقدراتها العسكرية ، في ظل حصار استخباراتي وعسكري غير مسبوق، لتعود إلى الانتقام بعد سنوات ، لا بعد شهور.
الشرق الأوسط الآن يقف على مفترق طرق. إسرائيل حققت نصراً عسكريًا واستخباراتيًا استثنائيًا ، لكن الثمن قد يكون حرب ظل طويلة ، لا حرب صواريخ مباشرة. أما إيران ، فقد دخلت مرحلة إعادة الحسابات المؤلمة … وربما إعادة كتابة مستقبلها السياسي والعسكري بالكامل.