مقالات

الميثاق السعودي – الباكستاني : صخب سياسي بلا أنياب عسكرية

✍️ يوحنا عزمي

الميثاق العسكري الدفاعي الذي وقعته المملكة العربية السعودية مع باكستان في العاصمة الرياض ، قد يبدو في مظهره وثيقة إستراتيجية تحمل أبعاداً أمنية كبرى، غير أن التمحيص الدقيق يكشف لنا أن جوهره أقرب إلى الرسائل السياسية منه إلى الترتيبات الدفاعية الحقيقية.

فالتوقيع الذي أثار ضجة واسعة في المنطقة ، وفتح شهية المحللين على استنتاجات تتراوح بين الحديث عن تحالفات عسكرية جديدة إلى تكهنات بنقل التكنولوجيا النووية ، لم يكن سوى حلقة جديدة من حلقات التوظيف السياسي للعلاقات الإقليمية تحت المظلة الدولية.

وليس خافياً على أي متابع أن مثل هذه المبادرات، خصوصاً في الخليج، لا تنشأ في فراغ، بل تتحرك غالباً ضمن مساحة مرسومة بعناية من الولايات المتحدة، وتحت أعين إسرائيل، التي تضع كل اتفاق إقليمي في ميزان تأثيره المحتمل على أمنها المباشر.

فالرياض ، كما إسلام أباد ، ما كان لهما أن تجرؤا على إعلان ميثاق دفاع مشترك من هذا النوع، لو لم يأتِ الضوء الأخضر من واشنطن ، والرضا الضمني من تل أبيب. إن تجاهل هذه الحقيقة هو تجاهل لركيزة كبرى من معادلة المنطقة.

من هنا ، يبرز التساؤل الكبير : ما الذي تريده السعودية بالضبط من باكستان في هذا التوقيت؟

فالمملكة ، مثل بقية دول الخليج ، تحيا تحت حماية عسكرية أمريكية شبه مطلقة ، تتجسد في قواعد ضخمة، وانتشار قوات ، وصفقات سلاح بمليارات الدولارات. هذه المظلة الأمنية لم تكن يوماً محل جدل ، بل هي حقيقة جغرافيا السياسة في الخليج منذ عقود.

فما الذي قد تضيفه إسلام أباد ، وهي دولة مثقلة بمشكلاتها الداخلية ، واقتصادها الهش ، وقوتها العسكرية المحدودة إذا ما قورنت بالقوى الكبرى في المنطقة؟

قد يسارع البعض إلى القول إن الهدف هو الوصول إلى القدرات النووية الباكستانية ، باعتبارها الورقة التي لطالما حلمت الرياض بامتلاكها في مواجهة التوازنات النووية الإيرانية والإسرائيلية. لكن مثل هذا الطرح لا يعدو كونه وهماً إعلامياً.

فالسلاح النووي الباكستاني صُمم أساساً ليكون سداً مانعاً في وجه التهديد الهندي التاريخي، وخروجه من هذا الإطار سيضع باكستان في قلب عاصفة جيوسياسية لن تنقذها منها لا أموال السعودية ولا تحالفاتها.

والأدهى من ذلك ، أن باكستان نفسها لا تكاد تجد ما يكفيها للدفاع عن حدودها الشرقية والغربية، فكيف بها أن تتحمل أعباء الدفاع عن الخليج، وعن المملكة تحديداً، في مواجهة خصوم محتملين بحجم إيران أو حتى إسرائيل؟ وهل تملك باكستان القدرة على ردع التهديدات الجوية والصاروخية المعقدة التي تحيط بالسعودية من كل جانب؟ الإجابة تبدو واضحة : لا.

وعليه ، يصبح هذا الميثاق ، رغم كل الضوضاء الإعلامية التي صاحبته ، أقرب إلى ورقة ضغط سياسية ورسالة موجهة لعدة أطراف إقليمية ودولية في آن واحد. رسالة تقول إن الرياض لا تزال قادرة على المناورة خارج المظلة الأمريكية الصلبة ، وإنها تملك بدائل وشركاء آخرين، حتى وإن كانت تلك الشراكات محدودة المفعول وواهية الأساس.

لقد شهدنا في العقود الماضية عشرات الاتفاقيات الأمنية ومواثيق الدفاع المشترك التي أُعلن عنها باحتفالات ضخمة، ثم ما لبثت أن رُكنت على رفوف النسيان بعد أن بردت حرارة الأخبار وتلاشى صخب الإعلام. وليس من المبالغة القول إن الميثاق الدفاعي السعودي – الباكستاني ماضٍ في الطريق ذاته : ضجة كبيرة .. ثم صمت طويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!