مقالات

من الصداقة إلى قفص الاتهام : عندما تتحول المساعدة إلى جريمة

بقلم المستشارة : هايدي إيليا 

«أنا بس كنت بساعده» .. جملة قصيرة تتكرر كثيرًا في محاضر التحقيق، لكنها تحمل في طياتها مأساة حقيقية: صديق يجد نفسه فجأة متهمًا بجريمة لم يرتكبها ، ولم يتخيل يومًا أن تصرفه البسيط لدعم شخص مقرب قد يقوده إلى قفص الاتهام.

كثيرون يعتقدون أن العاطفة والوفاء يحميانهم ، لكن الحقيقة أن القانون لا يقيس العلاقات الإنسانية بمقدار الحب أو الإخلاص، بل يقيم الأفعال وحدها ووقتها وتأثيرها على سير العدالة.

في الواقع العملي، هناك حالات عديدة لأشخاص لم يشاركوا مطلقًا في تنفيذ الجريمة ، لم يخططوا لها، ولم يحصلوا على أي منفعة منها، ومع ذلك وجدوا أنفسهم في دائرة الاتهام.

السبب؟ تصرفات لاحقة بدافع الشفقة أو العشرة أو الخوف من التخلي عن صديق في لحظة حرجة.

الصداقة : متى تتحول إلى ورطة قانونية؟

يفصل القانون الجنائي المصري بين من ارتكب الجريمة، ومن شارك فيها ، ومن تدخل بعد وقوعها. هذا التدخل، إذا تم عن علم وإدراك ، يمكن أن يكون كافيًا لقيام المسؤولية الجنائية.

أفعال مثل إخفاء المتهم، مساعدته على الهروب، الاحتفاظ بأدلة الجريمة ، تضليل السلطات ، أو كتمان معلومات جوهرية ، كل هذه الأفعال قد تضع صاحبها في موضع الاتهام، حتى لو لم يكن له أي دور في تنفيذ الجريمة نفسها.

اللافت أن القانون لا يمنح حصانة لمن يظل صامتًا بسبب الصداقة ؛ بل أحيانا تُفسر هذه العلاقة كدليل على العلم أو الثقة ، وليس كظرف مخفف.

كيف يتعامل القانون الأمريكي مع المساعدة بعد الجريمة؟

في الولايات المتحدة ، يُنظر إلى أي تدخل بعد وقوع الجريمة بصرامة كبيرة. قوانين مثل Accessory After the Fact وObstruction of Justice تجرم أي محاولة لإعاقة العدالة ، حتى لو كانت بدافع الحماية أو الوفاء لصديق.

هناك، قد تكفي رسالة هاتفية، مكالمة تحذير، أو كذبة صغيرة بدافع المساعدة، لفتح ملف اتهام مستقل. العديد من القضايا الأمريكية أظهرت أن أصدقاء لم يكونوا جزءًا من الجريمة نفسها ، انتهى بهم المطاف أمام القضاء لمجرد محاولتهم التدخل في التوقيت الخطأ، دون أي اتفاق مسبق أو مصلحة شخصية.

العاطفة لا تنقذك أمام القانون

من أكثر الأخطاء شيوعًا الاعتقاد بأن الصمت أو الكذب بدافع الصداقة أمر مفهوم ، أو أن توضيح الأمور للشرطة دون محامٍ يُعد دليلًا على حسن النية. الحقيقة أن القانون   لا يجرم المشاعر، لكنه يحاسب الأفعال التي تعرقل العدالة، حتى لو كانت بدوافع إنسانية بحتة.

في كثير من القضايا، لم يكن الاتهام مرتبطًا بالجريمة نفسها، بل بمحاولة التستر عليها أو التخفيف من آثارها. أفعال بسيطة ، مثل تقديم مساعدة لصديق بعد وقوع الجريمة ، قد تتحول فجأة إلى دليل إدانة.

رسالة أخيرة : الوفاء لا يعفي من المسؤولية

الصداقة قيمة لا جدال فيها، لكنها لا تصلح كدرع قانوني. الوقوف بجانب شخص أخطأ لا يعني بالضرورة أن تخطئ معه. أحيانًا يكون الصمت أكثر أمانًا من الكلام ، والابتعاد خطوة أذكى من التدخل بدافع الوفاء.

في القانون الجنائي ، الحدود بين الوفاء والاتهام رفيعة وخطيرة. كثيرون لم يُدانوا لأنهم مجرمون، بل لأنهم حاولوا أن يكونوا أوفياء في لحظة لا تحتمل العاطفة. القانون لا يسأل عن النوايا : لماذا فعلت؟ بل يركز على ماذا فعلت؟ ومتى؟ ومع من؟

الدرس الوحيد هنا : في عالم العدالة ، العاطفة وحدها لا تكفي، وأحيانًا يكون الوفاء هو الطريق الأقصر إلى قفص الاتهام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!