بقلم: ندى يحيى
كان الأمر يُشبه تمامًا لحظة الغروب، ذلك التلاشي التدريجي بين الأحوال في لمح البصر، وذلك الانسحاب الهادئ المسبوق بتمهيد يُعلن أن الرحيل قادم. تمامًا كما ترحل الشمس ليأخذ مكانها القمر.
لكن هنا كان الاختلاف؛ لم يكن هناك أمل في اللقاء من جديد يُشبه تلك الثقة المطلقة بأن الشمس ستعود كل صباح، بل كان الأمر أقرب إلى الخوف من شروقها من مغربها، ونهاية العالم بكل ما عليه من أحلام، دون مقدمات واضحة أو علامات تُنبئ بالنهاية.
كان هذا الرحيل اليوم هو الأعمق أثرًا بين كل علاقاتي.
فكانت رحلات “الذهاب بلا عودة” هي الأكثر رعبًا، تتسلل إلى كل يوم بشبح الفقد.
كيف للأشياء أن تنتهي هكذا؟ بلا وداع، بلا فرصة لبناء بيتٍ جديد، أو تمهيد طريق نسير فيه دون تعثر؟
كيف يختار شخص أن يحب من يشاء، ويترك من أحبه بصدق؟
وكأن الحياة تلعب معنا لعبة غير عادلة، تدفعنا دومًا للركض نحو المستحيل، ضد اتجاه عقارب الساعة.
ومع ذلك، ما زلت أُخبر عقلي كل يوم أن البكاء على اللبن المسكوب لم يعد إلا عادة مملة.
رحلة هرولة خلف بقايا الذكريات، واسترداد من رحلوا، والركض خلف سرابٍ يقتل ما تبقّى فينا… ببطء.
لم يعد ذلك مجديًا.
وليس هذا فقدانًا للأمل في إصلاح المكسور، بل هو فقط رغبة في الخروج من حقبة الذكريات المُميتة، واقتناع تام بأن ما نركض نحوه لم يعد كما أحببناه.
نحن نركض في الاتجاه الخاطئ، وعند الوصول، سندرك أننا غرباء.
هذه ليست العيون التي عشقناها، ولا القلوب التي سكنّا كل أركانها حبًا.
نحن فقط من نُحب.
نحن فقط من بقينا على ذات الطريق، بينما تحرك الجميع في الاتجاه المعاكس، تاركين خلفهم ما أحببناه، أو ربما فقط بقاياه، دون ملامح واضحة، دون شيء يكسر غربة هذا الركض الطويل