إسماعيل السيد
على بعد نصف المسافة،
تقف القوافل المحمّلة بالفراغ،
ويلهث خلفها كلب يعرج،
وطيور هجرت أعشاشها حين قسا عليها المطر.
على بعد نفس المسافة،
في الطرف الآخر، تقف جحافل لغتي،
وقد اعتراها الخجل،
وأنا بين هذا وذاك،
مضطرب، وجِل.
نفوس تقاسمني الرغيف ولا تشبهني،
حمّلت نبضها البطيء على متون قوافل الفراغ،
وبقيت تنتظر في نصف المسافة.
كم وددت لو أشحن نبضي،
ليكفيني ويكفيهم
مذلّة السؤال،
وثرثرة القيل والقال.
من الصعب أن تجد من يشبهك،
ويرتديك لحافاً زمن الصقيع،
ويربّت على قلبك المضطرب فيهدأ،
ويقاسمك مجاز اللغة، وصفاء الفكرة، وشوق الأمنية.
الغربة ليست في بُعد المكان،
الغربة حين يسكنك الفراغ،
ويشتد الضغط فيصعب التنفّس،
فتختنق برؤية لم يرها سواك،
وتخرّ قواك لبذل جهد كان هباءً منثوراً.
كلّ ما تفعله كالهشيم،
تذروه رياح الشرق والغرب،
فيقف عند زاوية في نصف المسافة،
وينتظر، محمّلاً بالفراغ،
ويطير مجدّداً بلا موعد.
لا تعتب على من سكنه الفراغ،
ليس لديه ما يُشترى أو يُباع.
حرّر المدى في عينيك،
وأكمل المسافة زحفاً.
بيني وبينك برزخ من الأفكار التائهة،
ومساحة لا متناهية من الفراغ،
فأين سنزرع تقاطعاتنا الجائرة؟
حين تغادر الحافلة،
لا يبقى من اللقاء سوى رائحة عطر تتلاشى،
وذكرى تتبدّد،
وأمنية تتجدّد.