ابداعات

أيشفعُ الموت؟

 

مشتهى عوض الكريم 

 

سيداتي وسادتي، أحذمو أمتعتكم وهيا بنا لأخذ جولة حول مكان يبثُ الرُوح، نحن هنا في رحلة إلى الحبيبة التي تجرعت من كُؤوس الألم حتى أرتوتّ، نامت على فراش الموت ليالي واستيقظت، أصابها الظمأ وتحملت، واجهت الكثير في سبيل البقاء على قيد الحياة.

 

أتحدثُ عن السودان الآبية بلادي، رمزُ المجد والسلام، كانت كعادتها بلادًا نشأت على حُب الخير والتعاون، لم تسقُط يومًا، وتتباها للعالم بوديانها الشاسعة، وأشجارها المُخضرة، وطبيعتها الساحرة، لم تشتعل نيرانها إلا للطهيّ، ولم يعلو صوت رصاصها إلا لإحياء عُرس أو مناسبة، هي الآن تنزفُ دماء، تلطخت بها شوارعها، وحِيطانها، وامتلأت بها الجُثث المُتعفنة، التي لم تُشيع جنازتها بعد، البلاد التي كانت تعزفُ على أعواد الحُرية، أصبحت مُحتلة، تصارع الوجود بيداها المبتورتين، تُقبل الطفل حتى لا يخاف، ثم بعد حينٍ يُقتل، تلوح للغائب بيديها ليعود ثم يموت وهو في طريقه للعودة إثر رصاصة طائِشة، وتسعى لأجل البقاء وهي لا تعلم هل ستعيشُ غدًا أم لا.

 

أعزائي المشاهدين ها أنا ذا أبثُ لكم القليل من الأحداث التي تمرُ بها بلادي، أكتبُ وكلي يقين بأن تعود هذه البلاد لسابق عهدها، أن تُنفث فيها رُوح الخلاص ليتخلى “الدعم السريع” عن قتل الشعب الضعِيف، ونهب البيوت، وإنهاء الحياة التي كانت بمثابة العالم لشعب يُعاني بصمت ولا يبوح بما بداخلهِ.

 

كم مرةً رُفع السلاح على وجهِ الشعب؟

كم مرة خافو؟

ربما كثيرًا، لكنهم إعتادو على ذلك، وفقد الخوف مكانتهُ بداخلهم وغادرهم الشعور، أصبحو يقولون لا يهم ربما نفتقدُ أنفاسنا في أي لحظة، المهم ألا نشعُر بالألم، نريدُ موتًا بلا وجع، بلا شعور، بلا خوف.

كم مرة غادر الناس منازلهم؟

كم تبقى منهم على قيد الحياة؟

 

هل تعلمون أن الخوف انتشر، وأن ما تبقى منا فُتات أجساد تعيش بلا شعور، ولا رغبة!

الكُل هنا فقد رغبته في الوجود، يعيش ويعلم أنه قد يموت غدًا برصاصة أو دانة، أو ربما يفتقدُ صديقهُ أو عائلتهُ، ويبقى السؤال في كل مرة ” من الذي كان ضحية لتلك النيران؟”

 

لا شيء يستحقُ أن يُذكر سوا أننا في بلاد نشأت على الآمان، واليوم تلطخت بدماء الخوف، لم يتبقى منها شيء، ولا حتى البيوت التي هُدمت مع أول ضربة، واحتضر من كان بداخلها، أيُ جريمة هذه التي لا يُعاقب عليها القانون؟

وأي قانون سيبقى في بلاد عمتها الحُروب؟

 

أولئك الراحلين أخر ما تبقى من ذكراهم الطيبة ” شهداء الحرب الكِرام” ماتو وهم يحاولون الحفاظ على عالمهم الذي نشئو فيه منذ الطفولة، لكنهُ سُلب منهم عنوةً عنهم، فمتى العودة؟

يقولون أن النهاية اقتربت، وأن الخراب قد كثُر، والذكريات اشتعلت مع لهيب النيران واصبحت رماد، وماتت الحبيبة في حُضن الأسى، وفي سبيل التضحية والفداء.

أتعلمُون؟

 

كنا نهاجر من بلدٍ لآخر، باحثين عن الإستقرار، ولم نجد الإستقرار إلا في بلادنا، التي احتضنتنا منذ وجودنا في أرحام أمهاتنا، لذا نكنُ لها بقلوبنا حُبًا لن ينتهي، ننتمي لها وتنتمي إلينا، لا نستطيع العيش في مكانٍ غيرها، تلك هي الفطرة، أن السودان يعيش فينا ولا نعيش فيه فحسب، نستنشقُ هواهُ وإن شممنا غيرهُ خُنقنا.

 اشتقنا لحضن الوطن، وجفت دموع الفُراق وهي تستلقي على وسادة الغُربة، فمتى يُردُ الغريب إلى بلادهِ، متى؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!